منذ بداية القرن 19 والخليج العربي أصبح محط أنظار بريطانيا الاستعمارية فبدأت بالتسلل تدريجيا للخليج من خلال شركة الهند الشرقية البريطانية ومنذ ذلك العصر دخل الخليج دائرة الصراع الدولي إلى اليوم.
أدركت الدولة العثمانية صاحبة السيادة على الخليج العربي حينها خطورة الدخول البريطاني فوضعت خطتها الاستراتيجية لمواجهة الخطر الجديد على الدولة العثمانية فأرسلت جيوشها لفرض سيطرتها المباشرة والمركزية على منطقة الخليج من جديد لمنع بريطانيا من احتلال الخليج العربي، بعد انهيار المقاومة المحلية في مواجهة بريطانيا كالقواسم في ساحل عمان وغيرهم فأصبحت خاصرة الدولة العثمانية مكشوفة أمام بريطانيا، وقد نجحت خطة الدولة العثمانية في حماية منطقة الخليج طوال القرن 19 حتى بداية القرن 20 عندما بدأت الدولة العثمانية بالضعف والتفكك فعادت بريطانيا للخليج وعقدت معاهدات الحماية السرية مع حكام إمارات الخليج.
وبعد الحرب العالمية الأولى سقطت الخلافة العثمانية ودخل الخليج العربي تحت الحماية والسيطرة البريطانية المباشرة فصاغت المنظومة السياسية والأمنية للخليج العربي والتي تحكمه إلى اليوم، وأقامت المفهوم الأمني والاستراتيجي للخليج على معاهدات الحماية الأجنبية، بعد إعلان استقلال دول الخليج أعيدت صياغة معاهدات الحماية الأجنبية كاتفاقيات حماية وفقا للقانون الدولي وإن بقيت سرية لم تعرف بنودها، وظهرت فكرة انشاء مجلس التعاون الخليجي ليمنح الدول الخليجية عمق استراتيجي لحماية المنظومة الخليجية من الأخطار وتعزيز هذه المنظومة سياسيا واقتصاديا.
واليوم وبعد الأزمة التي ضربت الخليج العربي بفرض الحصار على قطر من قبل السعودية والإمارات والبحرين سقطت ركائز المنظومة الأمنية والاستراتيجية لدول الخليج العربي وذلك من وجهين :
الأول: أن اتفاقيات الحماية الأجنبية لم تحم قطر من الحصار المفروض بل أصبحت أمريكا وهي الدولة الموقعة جزءً من عملية الحصار على أعلى مستوى بتصريح الرئيس ترامب بأن على قطر وقف تمويل الإرهاب! فتحول الشريك الحامي إلى مصدر خطر على الدولة الشريكة في اتفاقية الحماية!
الثاني: أن العمق الاستراتيجي نفسه (نصف دول مجلس التعاون الخليجي) هو من فرض الحصار على قطر العضو في المجلس فظهر عجز مجلس التعاون الخليجي كمؤسسة في ترسيخ هذا المفهوم والحفاظ على الأمن الخليجي.
وهذا ما يفسر غضب أوربا، التي أسست هذه المنظومة لضبط المنطقة، من الحصار والتي أدركت على الفور خطورة انهيار المنظومة الخليجية على الأمن الإقليمي وتداعياته على النظام الدولي.
ومن المتوقع أن حصار قطر وتداعياته سيدفع الحكومات الخليجية الرافضة (عمان والكويت) إلى إعادة النظر في مستقبل الوضع الأمني والاستراتيجي سواء على مستوى الحماية الأجنبية أو على مستوى العمق الاستراتيجي مع باقي دول الخليج.
والأهم هنا في المعادلة الأمنية والاستراتيجي هو دور شعوب الخليج وأثرها في تصحيح المسار السياسي والأمني والاستراتيجي والذي بني على أسس أصبحت تشكل خطر على مستقبل الشعوب الخليجية وهذا متوقع في ظل غياب الإرادة الشعبية في رسم سياسات دول الخليج وصنع القرار، فغياب الدور الشعبي تماما جعل دول الخليج اليوم في مهب الريح ليس أمام الأخطار الخارجية فقط بل وأمام سياسات خليجية تقود إلى حصار ومواجهة .
واليوم لم تعد مشاركة شعوب الخليج في صنع القرار كافية لتصحيح المسار الخليجي الذي انكسر وانهار تماما بعد الحصار، بل اليوم مستقبل الخليج العربي وأمن شعوبه مرتبط بتقدم الشعوب نفسها لتصبح هي صاحبة السيادة والقرار السياسي وتصبح السلطة في دول الخليج العربي قائمة على الإرادة الحرة لشعوب الخليج، والتي أثبتت في رفضها لحصار الشعب القطري أنها أكثر وعيا ومسؤولية من الأنظمة الخليجية نفسها.
إن الشعوب الخليجية وقواه الحية تتطلع إلى بصيص أمل بقيام حكوماتها بتحمل مسؤولياتها في إحداث مصالحة تاريخية مع شعوبها للانتقال السلمي من حالة التخلف والاستبداد السياسي، إلى دول حرة راشدة كمخرج وحيد من الأزمة العميقة التي تعيشها دول الخليج مما يقلل كلفة التغيير على الشعوب والأوطان، في ظل محيط عربي انطلق ربيعه وسيحدث التغيير الجذري في العالم العربي، فهل يتدارك الخليج العربي نفسه قبل فوات الأوان ليصبح في مصاف الدول الراشدة العربية القادمة؟ أم يبق الخليج العربي على حاله فتجري عليه سنن الله في التغيير؟
﴿اسْتِكْبَارًا فِي الْأَرْضِ وَمَكْرَ السَّيِّئِ وَلَا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ فَهَلْ يَنظُرُونَ إِلَّا سُنَّتَ الْأَوَّلِينَ فَلَن تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَبْدِيلًا وَلَن تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَحْوِيلًا ﴾
بعد كتابة المقالة:
بعد طلب وزير الخارجية الأمريكي بأيام أعلنت قائمة مطالب الدول المحاصرة لقطر فإلى أي اتجاه يسير الخليج؟
23 / 06 / 2017 م
اترك تعليقًا