الكويت وتركيا والفرصة السانحة

الكويت وتركيا والفرصة السانحة

بعد حصار قطر فجأة من محيطها الخليجي، أصبحت الكويت على مفترق طرق بين انهيار مجلس التعاون الخليجي الذي بات خطرا يهدد وجود أعضائه، وفشل الحماية الأمريكية وخطرها على المنظومة السياسية الخليجية ككل، فلم تعد قاعدة العديد في قطر مصدر أمن وحماية لها بل أصبحت فجأة مصدر خطر يهدد قطر نفسها!

 إن هذا الحدث الخطير يستوجب على الكويت البحث عن خيارات إستراتيجية لضمان مستقبلها وأمنها الإستراتيجي، في ظل انهيار المنظومة الأمنية الخليجية وخطورة الحماية الأمريكية منذ انطلاق الربيع العربي عام 2010م.

وستواجه الكويت في ظل هذه المتغيرات التاريخية الكبرى خيارات صعبة في ظل توازنات دولية وإقليمية قديمة متجذرة منذ اتفاقية سايكس بيكو 1916م ومؤتمر القاهرة 1922م، وتأثير الجغرافيا السياسية على توجهاتها وسياستها الخارجية، غير أن هناك آفاقا جديدة – خارج هذه الأطر التقليدية التي تحكم المنطقة منذ مائة عام من احتلالها – قد انفتحت اليوم أمام الكويت بعد الربيع العربي ودخول المنطقة العربية مرحلة تغيير جذرية، والتي امتدت اليوم إلى منطقة الخليج العربي نفسه بعد حصار قطر الذي أحدث صدمة وهزة في وجدان الشعوب الخليجية خاصة والعربية عامة، والذي جاء فيه الحصار بالتحديد لمواجهة تداعيات هذا الربيع العربي على الخليج ولمواجهة تطلعات الشعوب العربية نحو الحرية والإصلاح السياسي..

وقد أثبتت الثورة المضادة بعد ست سنوات أنها تحرث في البحر، ولن تستطيع إرجاع عقارب الساعة إلى الوراء فالعالم كله يتغير، ولن يبقى العالم العربي يرزح تحت أنظمة قمعية عسكرية ووراثية ووظيفية أكثر مما مضى..  

إن هذه الأحداث والآفاق توجب على الكويت أن تعيد بناء إستراتيجياتها المستقبلية لسياستها الخارجية والداخلية والأمنية من جديد، خاصة مع تراجع دور الحماية الأمريكية، والذي أكده ترامب في القمة الأمريكية العربية في الرياض بقوله: إن على دول المنطقة أن تدافع عن أمنها بنفسها فجاء بعده مباشرة قرار حصار قطر!

هذا القرار الذي ما كان له أن يحدث لو كانت شعوب الدول المتورطة في الحصار مشاركة في اتخاذه عبر مؤسسات شورية حقيقية تعبر عنها وعن مصالحها بعيدا عن النفوذ الأجنبي..

لقد كان الحصار قرارا ارتجاليا فرديا لم يستشر فيه قادة مجلس التعاون الخليجي فضلا عن الحكومات الخليجية دع عنك شعوب الخليج التي صارت تدفع ثمن هذا الاستبداد بالرأي من ثرواتها وأمنها واستقرارها!

لقد هز حصار قطر المنظومة الأمنية الخليجية، وهي التي بنيت أساسا على اتفاقيات الحماية مع أمريكا وعلى العمق الخليجي، فقد فشلت الحماية الأمريكية فلم تحم قطر، بل ولم تمنع العمق الخليجي نفسه من حصارها بإيعاز أمريكي، كما حدث تماما في الغزو العراقي للكويت، فتفاجأت قطر والكويت وعمان بأن الحماية العسكرية الأمريكية والعمق الخليجي اللذين يفترض فيهما حماية دول الخليج من الأخطار الخارجية، هما نفسهما مصدر الخطر الذي يهدد أمنها واستقلالها بل ووجودها ذاتهم من الداخل.

وفي ظل هذا الانكشاف الأمني والإستراتيجي الخطير لم يعد أمام الكويت إلا إعادة النظر في سياستها الأمنية الإستراتيجية الخارجية، والبحث في الآفاق الجديدة المتاحة أمامها اليوم قبل أن تغلقها عليها أطماع القوى الدولية والإقليمية، وعليها المبادرة والنظر بعناية ودقة إلى الجانب الآخر من المعادلة الإقليمية التي بدأت تتشكل بعد الربيع العربي وثورة الشعوب العربية، والتي سيكون لها الدور الأبرز في تشكيل المنطقة العربية من جديد خلال العقد القادم، بعيدا عن النفوذ الأجنبي الذي بدأ يتراجع، وقوة هذا الجانب ترتكز على حركة الشعوب العربية نفسها التي بدأت تسعى لدور أساسي في بناء بلدانها، وتحرير إرادتها واستقلال أوطانها، بعد تجاوزها آثار الثورة المضادة التي بدأت تنحسر في كل الساحات، بالإضافة إلى أن حركة الشعوب العربية نفسها تحظى بعمق ودعم وتعاطف من العالم الإسلامي الذي يمثل سكانه ربع العالم مما أعطى الشعوب العربية وربيعها زخما لا يمكن تجاهله على المستوى الإستراتيجي، خاصة وأن الكويت ليست ببعيدة عن هذه التغييرات في العالم العربي وبالتحديد على المستوى الشعبي الذي وقف مع الشعوب العربية وربيعها، وكانت مسيرة “كرامة وطن” تعبيرا عن رغبة الشعب الكويتي بالإصلاح السياسي للوصول إلى حكومة منتخبة، وإن كان الموقف الرسمي قد اتسم بالتذبذب اتجاه تطلعات الشعوب العربية وربيعها، إلا أن هذا الموقف الرسمي لم يندفع ضدها بقوة وتطرف كبقية دول الخليج الرافضة تماما لتطلعات الشعوب، بل كان وسطا بين الموقف القطري من جهة المساند للربيع العربي، والموقف السعودي الإماراتي الرافض لهذا الربيع، وهو ما يتيح للكويت شعبيا ورسميا، في ظل التغيرات الخطيرة في المشهد الخليجي، شق طريق وسط لتبني سياسة إستراتيجية جديدة على مستوى السياسة الخارجية، بالانفتاح على المستقبل وبناء علاقات إستراتيجية عميقة مع الشعوب العربية والإسلامية وقواها الإصلاحية الحية والوقوف معها شعبيا وسياسيا، وإقامة علاقات إستراتيجية مع الدول الداعمة للشعوب وتطلعاتها كتركيا وقطر وغيرهما من دول العالم العربي والإسلامي، مع مراعاة التوازنات الإقليمية والدولية وهو ما سيفتح آفاقا جديدة للحفاظ على أمن ومستقبل الشعب الكويتي في إطار أمته وعمقه العربي والإسلامي إلى أن يتعافى ويتشكل على نحو يمثل إرادة الأمة وشعوبها التي تطمح لتحقيق الحرية والتنمية واستعادة الهوية وتعزيز الوحدة والتكامل فيما بينها بما يحفظ أمنها واستقرارها، وسيعزز شق هذا الطريق الوسط تحقيق المصالحة على المستوى الداخلي مع قوى المعارضة في الكويت لتقوية التماسك الداخلي وتطوير العملية السياسية بما يواكب تغيرات المشهد الخليجي وتقدم الربيع العربي بشكل سلمي وبتوافق رسمي وشعبي..

ولعل أهم حدث في حصار قطر على المستوى السياسي والأمني هو الموقف التركي البارز سياسيا وأمنيا والذي كان له الدور الأكبر في دفع الخطر المباشر عن قطر وشعبها، وحماية الخليج ككل من الانزلاق لحرب غير محسوبة العواقب، قد تهدد أمن الحرمين الشريفين الذي يعد المحافظة عليه أحد أهم ركائز الإستراتيجيا التركية رسميا وشعبيا..

لقد حظي هذا الموقف التركي تجاه الأزمة القطرية والذي خفف من حدتها بقبول شعبي عارم في الخليج كله، وخاصة في الكويت الذي أيد فيه الرأي العام الشعبي الوجود التركي في قطر لإدراك الشعب الكويتي (وهذا ما لمسناه وشاهدناه بالتواصل المباشر مع دواوين الكويت التي تمثل المنتديات السياسية لشعبه) أهمية هذا الوجود التركي لردع الأخطار المحيطة بالكويت، فتركيا – لظروف تاريخية ودينية لا تخفى حيث ظلت الخلافة العثمانية تحمي العالم العربي مدة أربعة قرون – لا تمثل خطرا على الكويت، فهي بلد مسلم لا يمثل تهديدا لهوية الشعب الدينية والثقافية كخطر الوجود الأمريكي نفسه، أو الإيراني الطائفي الذي يشكل هاجسا لدى الشعب الخليجي ككل والكويتي على وجه الخصوص منذ الثمانينات إضافة إلى خطر الحكم الطائفي ومليشيات القتل الطائفي التابعة له في العراق..

 وفي ظل هذه الأخطار المحدقة بالكويت وحصار قطر من العمق الخليجي نفسه، أصبحت الكويت وبسبب موقعها الجغرافي في وضع لا يقل خطورة عن الوضع القطري.

وأصبح التعاون مع تركيا سياسيا وعسكريا ضرورة وجودية وذلك وفقا لقواعد القانون الدولي الذي يسمح للكويت كدولة مستقلة عقد اتفاقيات سياسية وعسكرية لضمان أمنها وأمن شعبها، والحفاظ على استقلالها ووجودها، وهذا ما يتطلع له الشعب الكويتي، بعد أن ثبت أن أزمة قطر في تصاعد وأن مجلس التعاون الخليجي قد انهار فعليا، وبدأت تصل عبر إعلام الدول المحاصرة لقطر إشارات تهديد مباشر للكويت، وهو ما يقتضي من الكويت اقتناص الفرصة السانحة وحسم أمرها ورسم مستقبلها بيدها، وممارس حقها الطبيعي والقانوني كما فعلت قطر، قبل أن يرسم لها مستقبلها في العواصم الأجنبية، وحينها لا سمح الله لن ينفع الكويت وجود القواعد الأمريكية، ولا الاتفاقيات الأمنية، ولا المنظومة الخليجية!

اللهم احفظ الخليج ودوله وشعوبه من كل سوء ووحد كلمتهم وأصلح ذات بينهم وادفع عنهم ما يحاك لهم من كيد أعدائهم..

اللهم آمين ..          

            

26 / 6 / 2017 م

التعليقات مغلقة.

إنشاء موقع إلكتروني أو مدونة على ووردبريس.كوم قالب: Baskerville 2 بواسطة Anders Noren.

أعلى ↑