الاتفاق الخليجي السري               وغياب دور الشعوب

الاتفاق الخليجي السري….وغياب دور الشعوب          

(ادراكا منها لما يربط بينها من علاقات خاصة وسمات مشتركة وأنظمة متشابهة أساسها العقيدة الاسلامية وإيمانا بالمصير المشترك ووحدة الهدف التي تجمع بين شعوبها ورغبة في تحقيق التنسيق والتكامل والترابط بينها في جميع الميادين)

بهذه المعاني صدرت ديباجة إنشاء مجلس التعاون الخليجي عام 1981م، وحينها تطلعت شعوب الخليج نحو مستقبل يحقق طموحها في تحقيق الوحدة والأمن والمشاركة السياسية وفق هويتها وعقيدتها الإسلامية، وانتظرت شعوب الخليج أربعة عقود لتحقيق الأهداف المنشودة لتتفاجأ بعد هذه العقود بأزمة جنونية تعصف بالخليج وأمنه.

جاء حصار قطر العضو في مجلس التعاون الخليجي من قبل أعضاء المجلس (السعودية والإمارات والبحرين) وبدون علم الأعضاء الآخرين (الكويت وعمان) لتكتشف شعوب الخليج بأن ما جاء ديباجة النظام الأساسي للمجلس وما وضع من هدف في المادة الرابعة بالعمل على (تحقيق التنسيق والتكامل والترابط بين الدول الأعضاء في جميع الميادين وصولا إلى وحدتها وتعميق وتوثيق الروابط والصلات وأوجه التعاون القائمة بين شعوبها في مختلف المجالات) لم يتجاوز سطور النظام الأساسي بين الحكومات نفسها فضلا عن تحقيق ما تقرر على أرض الواقع ليلامس تطلعات شعوب الخليج.

لقد ظنت شعوب الخليج العربي أن حصار قطر يأتي في ظل خلافات ثنائية بين حكومات دول مجلس التعاون على خلفيات أحداث الربيع العربي فقط، وآملت بحله في الإطار الأخوي التقليدي المعتاد‘ ولم تتصور شعوب الخليج بأنها هي المستهدفة بالحصار….

وهو ما كشفته وثائق إتفاق الرياض عام 2013م والإتفاق التكميلي عام 2014م الموقعة بين دول مجلس التعاون، والذي نص على منع القوى السياسية من العمل والنشاط بحرية ومحاصرتها ومنع التجنيس والإيواء لأي معارض سياسي واشترطت موافقة الدولة المعنية على منح هذه الحقوق الشرعية والإنسانية، وفي سياق هذا الإتفاق جاءت الإتفاقية الأمنية الخليجية المعدلة في نفس العام 2014م في محاولة لتقنين هذه الاتفاقيات السرية لتضيق على الحريات العامة والحقوق الشرعية والسياسية لشعوب الخليج وقواه السياسية، في الوقت الذي لم تعرض هذه الإتفاقيات على مجالس الشورى والأمة لتعتمد من قبلها لتكتسب صفتها الشرعية والقانونية.

إن أخطر ما في أزمة الخليج الأخيرة هو أن شعوب الخليج هي المستهدفة بحصار قطر وبالتفاهمات وبالإتفاقيات الأمنية بين حكومات دول الخليج وليس مواجهة الأخطار الخارجية والإرهاب كما يدعى ، والشعوب هي التي ستدفع ثمن سياسات وقرارات لم تشارك فيها ولم تشاور بها.

لقد كشفت الأزمة الأخيرة عن عمق الفجوة بين حكومات الخليج التي تعيش غربة سياسية عن واقع شعوبها وتطلعها للوحدة والحرية والأمن، وأصبحت حكومات الخليجية غارقةً في الخلافات الداخلية والفساد السياسي والتضييق على الشعوب، والمغامرات الخارجية بدعم الثورة المضادة والتوجه نحو التطبيع مع إسرائيل وفق مشروع ترمب، وللأسف على حساب مستقبل شعوب الخليج العربي وأمنها.

فشعوب الخليج العربي اليوم تواجه أخطار مشاريع خارجية كبرى كالمشروع الأمريكي الصهيوني الذي يعمل للتطبيع مع إسرائيل وفتح الأسواق الخليجية لاستكمال نهب الثروات الذي بدأه ترمب لانعاش الإقتصاد الأمريكية وجلب الوظائف للشعب الأمريكي على حساب ثروات شعوب الخليج وأمنها، والمشروع الصفوي الطائفي وأطماعه في التوسع والسيطرة على منطقة الخليج العربي والحرمين الشريفين، والحكومات الخليجية في ظل هذه الأخطار الخارجية وصلت إلى حد من العجز في بناء مؤسسات سياسية وعسكرية قادرة على حماية بلداننا من هذه الأخطار، بالرغم من صفقات شراء الأسلحة الكبيرة، واعتمدت على الحماية والقواعد الأجنبية الأمريكية وتجاهلت قدرات الشعوب نفسها، لنجد أن أمريكا تعقد مع إيران الاتفاق النووي وبملاحقه السرية لتعود إيران من جديد كشرطي للخليج العربي كما كانت أيام الشاه ليصبح أمن الخليج في مهب الريح.

وأمام هذا العجز الخطير اتجاه هذه الأخطار الخارجية وفي ظل الصراعات الداخلية بين الحكومات وما يمر به الخليج العربي من أزمة الحصار على الشعب القطري وما كشف من وثائق خطيرة لإتفاقيات أمنية سرية، لم يعد أمام شعوب الخليج إلا أن تتحمل مسؤولياتها التاريخية بالعمل على التغيير والإصلاح السياسي الواسع لتحقيق الحرية والأمن والعدل والمساواة والمحافظة على أمن الخليج العربي ووجوده…

إن السنوات القادمة ستكون من أخطر المراحل التاريخية التي ستمر على منطقة الخليج العربي، وسيكون المستقبل فيه لشعوب الخليج وستلعب الدور الأكبر في رسمه، فهل تعي حكومات الخليج حركة التاريخ والسنن وتبادر بالتصالح مع شعوبها قبل أن يأتي طوفان التغيير القادم والذي ضرب بأطنابه في العالم العربي، والخليج العربي جزء منه، وسيصله هذا الطوفان حتما عاجلا أم آجلا ولن ينفع معه حينها لا إتفاقيات أمنية ولا حماية أجنبية، فالخليج العربي أصبح اليوم شعوبا وحكومات بين خطر يهدد وجوده وبين ربيع يحمي مستقبله.

{ إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم }

18 شوال 1438هـ 13 / 7 / 2017م

اترك تعليقًا

إملأ الحقول أدناه بالمعلومات المناسبة أو إضغط على إحدى الأيقونات لتسجيل الدخول:

شعار ووردبريس.كوم

أنت تعلق بإستخدام حساب WordPress.com. تسجيل خروج   /  تغيير )

Facebook photo

أنت تعلق بإستخدام حساب Facebook. تسجيل خروج   /  تغيير )

Connecting to %s

إنشاء موقع إلكتروني أو مدونة على ووردبريس.كوم قالب: Baskerville 2 بواسطة Anders Noren.

أعلى ↑

%d مدونون معجبون بهذه: