إعلان ترمب وماكرون ……. ونهاية الحملات الصليبية
مع الذكرى السنوية لسقوط الباستيل لهذا العام 2017م أعلن الرئيس ترمب والرئيس الفرنسي ماكرون من باريس بأنه يجب إنهاء الإرهاب (الربيع العربي) في الشرق الأدنى والشرق الأوسط وإحلال الأمن والسلام فيه (التطبيع) ووقف القتال في سوريا تمهيدا للحل السياسي في سوريا ولا يشترط رحيل بشار الأسد وذلك ضمن خارطة طريق جديدة لسوريا ما بعد إنهاء الثورة السورية…
هذا الإعلان في ذكرى الباستيل جاء بعد توقيع قطر مع أمريكا لاتفاق مكافحة الإرهاب ووقف تمويله، وهذا كان من أهم أهداف فرض الحصار على قطر، ولفهم سياق المشهد وإلى أين يتجه؟ ينبغي أن نرجع لأحداث القمة الأمريكية العربية الإسلامية في الرياض في مايو 2017م ونقرأ قراءة مختلفة خطاب السيسي ليتضح لنا حقيقة ما يجري من أحداث ما بعد القمة، http://www.elwatannews.com/news/details/2118994 .
فخطاب السيسي في قمة الرياض كان بمثابة خريطة الطريق العملية لمواجهة الربيع العربي ومن يقف معه، فالخطاب وصف بشكل واضح ، وإن لم يذكر أسماء، الدول الداعمة للربيع العربي فيقول (إن المواجهة الشاملة مع الإرهاب تعني بالضرورة.. مواجهة كافة أبعاد ظاهرة الإرهاب فيما يتصل بالتمويل.. والتسليح.. والدعم السياسي والأيديولوجي.. فالإرهابي ليس فقط من يحمل السلاح.. وإنما أيضا من يدربه.. ويموله.. ويسلحه.. ويوفر له الغطاء السياسي والأيديولوجي) ففيه إشارة إلى قطر وهو ما أكده سير الأحداث لاحقا، حيث تم محاصرتها بعد إنتهاء القمة بدعوى تمويل الإرهاب، وكان الهدف هو إنهاء الصداع القطري المزمن للثورة المضادة، فعندما فشلت الترتيبات السرية اللاحقة لإعلان الحصار، تم السعي لإلزام قطر بإتفاقية تجعلها تحت الرقابة الأمريكية والدولية وهو ما تم، بالإضافة إلى فتح كافة المؤسسات الأمنية للتدقيق والمتابعة بإشراف ألمانيا.
وانتقل السيسي في خطابه إلى الصراحة أكثر عن الهدف الأكبر في خارطته العملية فقال (ودعوني أتحدث بصراحة وأسأل: أين تتوفر الملاذات الآمنة للتنظيمات الإرهابية لتدريب المقاتلين.. ومعالجة المصابين منهم.. وإجراء الإحلال والتبديل لعتادهم ومقاتليهم؟) وواضح من هذا الوصف الصريح أن المقصود هنا هي تركيا، فتركيا وقفت منذ اليوم الأول مع حق الشعب السوري في الحرية وهذا الموقف تراه أمريكا والقوى الدولية والثورة المضادة خطرا على نفوذهم وسيطرتهم على الشعوب، لهذا جاء الإنقلاب العسكري الفاشل في 15 يوليو 2016م والمدعوم من أمريكا وأنظمة الثورة المضادة في هذا السياق لإخراج تركيا من مشهد الربيع العربي وإرجاع الدولة التركية لدورها الوظيفي، والمحاولات لتحقيق هذا الهدف لازالت مستمرة وتركيا مدركة ذلك تماما، فاليوم المشهد على الأرض السورية يظهر المحاولة الأمريكية وبنزول قواتها على الأرض في محاولة لدعم المليشيات الكردية اليسارية الإرهابية لإقامة شريط عازل بين تركيا وسوريا، والتي أفشلها التدخل التركي في سوريا بالتعاون مع الجيش السوري الحر، وبدأت تظهر مؤخرا دعوات إعلامية عربية وبرلمانية أوربية تدعو لمقاطعة تركيا وحصارها بحجة دعم الإرهاب والتطرف وهو كما جاء في خطاب السيسي، وواضح أنه بعد إعلان ترمب وماكرون (لاحظ حضور فرنسا المستعمر السابق لسوريا) عن خارطة الطريق السياسية لسوريا أصبح السيناريو القطري جاهزا للتنفيذ، ولعل فترة الثلاثة أشهر التي مددت بها العقوبات الأمريكية على السودان والذي استهدف بانقلاب بدعم مصري ضمن خارطة الطريق العملية، تعطي المتابع للأحداث مؤشر على البرنامج الزمني لتنفيذ ما جاء في خطاب السيسي، خاصة أنها تراعي موسم الحج القادم.
هذه الخارطة العملية لإنهاء الربيع العربي هدفها النهائي أعلنه السيسي وبصراحة أيضا في الخطاب نفسه بقمة الرياض فقال (ودعوني أصارحكم أن جهودنا في مكافحة الإرهاب والقضاء عليه لا يمكن أن يكتب لها النجاح وتصبح واقعاً ملموساً.. إلا من خلال تسوية القضية الفلسطينية عن طريق حل عادل وشامل ونهائي.. على أساس مبدأ حل الدولتين ومرجعيات الشرعية الدولية ذات الصلة.. بما يوفر واقعاً جديداً لكافة شعوب المنطقة تنعم فيه بالازدهار والسلام والأمان) هذا الواقع الجديد الذي ينعم بالإزدهار والسلام والانفتاح هو التطبيع بعينه وفتح العالم العربي أمام الشركات العالمية بشكل واسع ليحل السلام الأمبراطوري الأمريكي الذي بشر به ترمب في خطابه في قمة الرياض بقوله (رؤيتنا هي رؤية تتمحور حول السلام والأمن والازدهار في هذه المنطقة وفي العالم) arabic.cnn.com/middle-east/2017/05/22/trump-arab-islamic-american-summit-riyadh-full-speech ، وهو ما ظهر جليا بالخطوات العملية الممهدة للتطبيع في الإنفتاح المفاجيء لنخب ومستشارين خليجيين وعرب على إسرائيل وتصنيف الدول الخليجية المحاصرة المقاومة الفلسطينية وحركة حماس كحركة إرهابية وإجراءات عملية لحصار غزة.
إذا فالمؤامرة الكبرى الدولية الجديدة في العالم العربي هي بكل وضوح إنهاء ثورة الربيع العربي وقواها المقاومة ومحاصرة الدول والقوى الداعمة له وخاصة تركيا الحرة التي أصبحت تشكل تحديا للنفوذ الأمريكي والغربي في المنطقة بما يعادل تحدي ثورة الربيع العربي نفسها، ولهذ تحرص أمريكا والقوى الدولية والثورة المضادة على عدم إلتقاء الربيعين العربي والتركي فهذا يعني تحررالمنطقة من الاحتلال الأجنبي والاستبداد الداخلي إلى الأبد.
فالمؤكد بعد الثورة العربية أن العالم العربي قد خرج عن سيطرة ونفوذ أمريكا والقوى الدولية التي بدأت يتراجع نفوذها في المنطقة وهو ما أشار إليه ترمب في خطابه (لكن دول الشرق الأوسط لا يمكنها انتظار تدمير القوة الأمريكية لهذا العدو –الإرهاب- بالنيابة عنهم، على أمم الشرق الأوسط أن تقرر نوع المستقبل الذي تريده لنفسها، وبصراحة، لعائلاتها وأطفالها).
وثورة الربيع العربي نفسها كونها تدخل السنة السابعة ولم يستطع أعداؤها احتواءها لا عسكريا ولا سياسيا فهذا يظهر مدى العجز الذي وصلت إليه القوى الإستعمارية والثورة المضادة في إنهاء الثورة وهذا بدهي ومتوقع ، فلا يمكن لأي قوى احتلال أو طغاة أن يقفوا في وجه ثورة الشعوب، فهذا هي حركة التاريخ الطبيعية والمتوافقة مع سنن الله الكونية والشرعية في عباده المستضعفين الثائرين على الظلم‘ فكيف بأمة محمد صلى الله عليه وسلم التي بدأت ثورتها نحو المجد والعزة بين الأمم والذي هو قدرها وتاريخها، فما على قوى الثورة سوى الإيمان بموعود الله لهم بالنصر والتمكين والعمل الجاد والمخلص من أجله وسيتكفل الله جل جلاله لهذه الأمة بالنصر والتمكين. ﴿وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَىٰ لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا﴾.
فهذا هو المشاهد من سير الأحداث والمواقف المعلنة التي بدأت القوى الإستعمارية وطغاة الثورة المضادة يجاهرون بها ظنا منهم بنجاح لعبتهم حملتهم الصليبية الكبرى وأنه لم يعد هناك ما يخشونه لتحقيق أهدافهم وغفلوا عن سنن الله التي ستجري عليهم وعلى ترتيباتهم ومؤامراتهم على الشعوب ﴿إِنَّ اللَّهَ لَا يُصْلِح عَمَلَ الْمُفْسِدِينَ﴾ حتى طغوا وتجبروا ﴿وَنَذَرُهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ﴾ فإذا هم سائرون على طريق سلف الطغاة والمتجبرين فرعون لينتهوا كما انتهى، وليورث الله جل جلاله الأرض لعباده المؤمنين المستضعفين ﴿فَانتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْنَاهُمْ فِي الْيَمِّ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَكَانُوا عَنْهَا غَافِلِينَ وَأَوْرَثْنَا الْقَوْمَ الَّذِينَ كَانُوا يُسْتَضْعَفُونَ مَشَارِقَ الْأَرْضِ وَمَغَارِبَهَا الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا﴾.
20 شوال 1438هـ 14 / 7 / 2017م
اترك تعليقًا