العرب…..ووهم الدولة الوطنية
(يجب أن تبقى المنطقة العربية مجزأة مقسمة فقيام دولة واحدة تشكل خطرا على نفوذنا)
“The grand chessbard: American primacy” بريجنسكي مستشار الأمن القومي الأمريكي السابق
منذ أن شرع النبي صلى الله عليه وسلم الخطاب السياسي النبوي وأمر باتباعه وأقام الدولة على أصوله وقواعده وجعل الخلافة كنظام سياسي من أصول الإسلام وحد الأمة 13 قرنا، والأمة لم تعرف نظاما سياسيا غير الخلافة كنظام سياسي جامع وموحد لشعوبها، حتى جاءت الحملة العسكرية البريطانية الفرنسية الصليبية مع الحرب العالمية الأولى لتسقط الخلافة وتعيد تشكيل العالم العربي من جديد سياسيا وفكريا وثقافيا على أسس وطنية قطرية وبأدوات فكرية وعلمية تحت شعار إصلاح الفكر والمفاهيم بإسقاط الخلافة مفهوما ودولة وإقصاء الشريعة لشرعنة الدولة الوطنية القطرية لتبقى الأمة وشعوبها مجزأة ومقسمة تحت النفود الاستعمارى للقوى الصليبية.
وما كتبه د.عبدالحميد الأنصاري في مقـاله “لماذا حالة عـدم التصالح مع العالـم؟!” فـي صـحيفة الجـريـدة الكـويتـية (https://goo.gl/w4Qop6 ) وفي غيره من المقالات يكشف لنا خطورة ما تدعو إليه هذه النخب الفكرية منذ أن أطلق علي عبدالرازق دعوته الشهيرة بأن الإسلام دين لا دولة ردا على تطلع الأمة وسعيها لعودة الخلافة.
ففي مقاله يأتي د. عبدالحميد بأشد مما جاء به سلفه عبدالرازق بتحميله المسلم المسؤولية المباشرة عن العلاقة المتوترة مع العالم على حد زعمه، وكأن هذا العالم لم يشن الحرب على الأمة ويحتل أرضها وينهب ثرواتها، ويرجع تلك العلاقة المتوترة إلى المفاهيم الشرعية الحاكمية والخلافة والجزية والجهاد والولاء والبراء والتكفير وقال ما نصه (هذه المفاهيم المشوهة جعلت المسلم في توتر نفسي مستمر، لا يستطيع التصالح لا مع ذاته ولا مع العالم، ومن هنا ضرورة إعادة قراءة المفاهيم والمقولات الموروثة، للتخلص من حالة التوتر المزمنة) ولعلاج هذا التوتر المزمن أحال القارئ للقراءة الصحيحة لهذا المفاهيم المشوهة بزعمه إلى ما قرره المؤتمر العام الدولي الرابع والعشرون للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية بالقاهرة مارس 2015م تحت شعار (عظمة الإسلام وأخطاء بعض المنتسبين إليه : طريق التصحيح) برعاية السيسي ومشاركة الكنيسة القبطية المصرية https://goo.gl/zYcAZ8 .
لم تكن الخلافة وحاكمية الشريعة والجهاد والولاء والبراء مجرد مفاهيم تحتاج لقراءة صحيحة من مؤتمرات مشبوهة، وإنما هي أصول شرعية ونظام سياسي حكم الأمة 13 قرنا حتى جاءت الحملة البريطانية الفرنسية الصليبية الأخيرة لتسقط الخلافة الإسلامية بتآمر واقعي وليس بمؤامرة نظرية تسيطر على نفوسنا كما يزعم د.عبدالحميد في مقاله “لماذا تسيطر نظرية المؤامرة على نفوسنا https://goo.gl/24hQAx ”
وبطبيعة الحال بعد الاحتلال البريطاني الفرنسي الصليبي للعالم العربي سيأتي من يدعي بأن الإسلام دين لا دولة كعلي عبدالرازق ليشرعن لواقع سياسي صنعته الحملة الصليبية من الألف إلى الياء، واليوم يمارس د. عبد الحميد نفس الدور لهذه المدرسة الفكرية تحت شعار تصحيح هذه المفاهيم وكأنها هي أس مشكلة العالم العربي ملبسا على القراء حقيقة الوضع السياسي للعالم العربي من وقوعه تحت الاحتلال الغربي منذ سقوط الخلافة الإسلامية كدولة ونظام وليس كمفهوم فقط.
فالخلافة عند د. عبدالحميد حلم مدمر للأوطان مستشهدا برأي شيخه بن بيه بأن دولة الخلافة صيغة غير ملزمة للمسلمين ليشرعن للدولة الوطنية والذي أعلنه في منتدى تعزيز السلم في المجتمعات المسلمة في الإمارات عام 2016م، ليسير د.عبدالحميد على خطى مدرسته في تأكيد شرعية الدولة الوطنية ليزعم بأن الخلافة (لم تكن في يوم من الأيام رمزاً لوحدة المسلمين بل أدت إلى تقسيم العالم الإسلامي) وكأن 22 دولة وطنية والتي أقامتها المنظومة الإستعمارية بعد سقوط الخلافة هي التي وحدت المسلمين ولم تدمر الأوطان!! “الخلافة حلم مدمر للأوطان https://goo.gl/J6j7cV ”
فهذا الواقع السياسي الذي تشكل وفق اتفاقية سايكس بيكو وما تبعها من اتفاقيات حاول د. عبدالحميد التشكيك فيها وعدها من الأساطير منتقدا من يستغلها (لذم الدولة القُطْرية القائمة ونظامها السياسي بوصفهما من مخلفات سايكس بيكو الاستعمارية) ومدافعا عن شرعية الدولة القطرية التاريخية في نشأتها وتكوينها ومتهما معارضيها بأنهم أصحاب الأيدولوجيات الزائفة من الإسلاميين والقوميين واليساريين.”سايكس بيكو الأسطورة الراسخة” https://goo.gl/ytfxTc
لم يكتف د. عبدالحميد بالتشكيك بالحقائق التاريخية التي شكلت الدول القطرية التي يدافع عنها بل ذهب إلى أبعد من ذلك بتنظيره وشرعنته للاحتلال الأمريكي للعراق وعمليته الطائفية السياسية، وهو الدولة القطرية الأكبر والتي يفترض منه الدفاع عن شرعيتها ووجودها، وتغاضى تماما عن إعلان بوش بأنها حملة صليبية، لينص على انه (لا وجه لأية مصلحة شرعية أو وطنية في مقاومة الأمريكيين في العراق فإن الاتيان بأي عمل عدائي ضد القوات الدولية في العراق أراه عملا إرهابياً) محتجا بقيام عملية سياسية هندسها الحاكم بريمر الأمريكي، ومصادرا لحق الشعب العراقي في مقاومة الاحتلال كحق شرعي وطبيعي لأي شعب يتعرض لاحتلال أجنبي ” مقابلة مع جريدة الراية https://goo.gl/fzzrK9 ”
واستمر د. عبدالحميد في دفاعه عن الدولة الوطنية المستبدة مستنكرا تطلع الشعوب للحرية والاستقلال والعودة لدينها وتاريخها رافضا الدور التاريخي لقوى التحرر الإسلامية منها والقومية، ليتفاجأ كما تفاجأت القوى الدولية وحكومات الدول الوطنية الراعية لمدرسته بثورة الربيع العربي، وليعترف بصدمته وحزنه بأنه لم (يتوقع أن تصل انتفاضة أو ثورة شباب مصر في تحديهم للنظام درجة اضطرار مبارك لإعلان تنحيه عن الحكم بعد 18 يوماً من الاحتجاجات) لتكشف له ثورة الربيع العربي مدى هشاشة وضعف الدولة الوطنية التي يدافع عنها لعقود، ومن شدة حزنه على سقوط مبارك حاول تبرير تنحيه بأن مبارك (آثر المصلحة العليا للوطن)، لتعجب من غياب حزنه هذا من سقوط العراق في يد المحتل الأمريكي، لكنه يعود ويكشف لما شعر بالحزن والصدمة (وبقي أن أقول رغم كراهيتي للثورات أرجو أن تحقق انتفاضة الشعب المصري العبور الذهبي لمصر) ليسمي الثورة التي يكرهها انتفاضة حزنا على مبارك “ليس دفاعا عن مبارك https://goo.gl/fzzrK9 ”
إن موقف د. عبدالحميد من تاريخ الأمة وما تعرضت له من احتلال أجنبي بعد سقوط الخلافة الإسلامية والتشكيك في تاريخها ووجودها وشرعنته للمنظومة السياسية للدولة الوطنية ورفضه لحق الشعوب في مقاومة الاحتلال والثورة على الاستبداد جاء متناغما مع منظومة فكرية وثقافية امتدت لقرن كامل شكلتها القوى الاستعمارية بعد تقسيم العالم العربي بعد الحرب العالمية الاولى وشرعنته في فرساي 1918م برعاية عصبة الأمم بانتداب بريطانيا وفرنسا وبعد الحرب العالمية الثانية برعاية الأمم المتحدة ومجلس الأمن وحماية أمريكا والاتحاد السوفيتي ولا زالت هذه المنظومة الدولية تتحكم بالواقع السياسي للعالم العربي ومؤسساته السياسية والشرعية والفكرية والثقافية.
يريد د.عبدالحميد من شعوب الأمة أن تتصالح مع الاحتلال والطغاة وتراجع مفاهيمها وتعيد تصحيحها بما يتوافق مع قواعد المنظومة الدولية وواقع الدولة الوطنية المستبدة ولأجل هذا الدور الخطير قامت القوى الدولية برعاية المنظومة الفكرية الوظيفية منذ أيام المبشر دنلوب في مصر.
فالقوى الاستعمارية هي المتوتر الحقيقي والمرتعبة من نهوض الأمة من جديد ولم تشن الحروب الصليبية منذ ألف عام لتأتي اليوم لتسلم بكل بساطة بحق الأمة بالحرية والاستقلال وتتصالح معها، فهي ستستخدم كل إمكانياتها وأدواتها الوظيفية العسكرية والسياسية والفكرية لمنع هذا النهوض القادم مع ثورة الربيع العربي.
وأما شعوب الأمة لم تكن يوما متوترة من مفاهيمها الشرعية والتي تدركها بوجدانها وفهمهما الفطري لدينها ومعرفتها بتاريخها العظيم، ومع ثورة الربيع العربي فقد عرفت الأمة طريقها لتتحرر من الاحتلال والاستبداد لتعيد تحقيق مفاهيم الخلافة والحاكمية والولاء والبراء كواقع سياسي حر.
فثورة الربيع العربي والتي يكرهها د.عبدالحميد انطلق قطارها ولن يقف حتى يصل إلى محطة الحرية والاستقلال والدولة الواحدة، ولن يوقفها لا تآمر القوى الاستعمارية ولا الثورة المضادة وأدواتها.
واليوم بعد حصار وطنه قطر وشعبها من قبل الدولة الوطنية التي يدافع عنها وبرعاية القوى الدولية التي يريد من الأمة أن تصالحها، هل لازال د.عبدالحميد على دعوته بأن الدولة الوطنية هي التي تجمع المسلمين ولا تفرقهم؟ وهل لازال مؤمنا حقا بأن مقررات “مؤتمر دروب السلام من أبوظبي تبدأ” بأنها هي حقا (الكلمات القوية والمؤصلة علمياً وشرعياً) لتنطلق حسب وصفه (من عاصمة التسامح والسعادة والسلام (أبوظبي) انطلقت دعوة السلام والمحبة والإخاء والحوار والتعايش التي هي دعوة الإسلام الحقيقية). “مقال الخلافة حلم مدمر للأوطان”
فهل حصار شعب قطر واستعباد الشعوب هي دعوة الإسلام الحقيقية؟
1 ذوالحجة 1438هـ 24 / 8 / 2017م
اترك تعليقًا