تركيا والعرب…..في مواجهة مشروع التقسيم الأمريكي الجديد
(إنها فترة بدأت بالحروب الصليبية واستمرت باحتلال القدس وانهيار الدولة العثمانية وتشتيت المنطقة من قبل المحتلين، ولا يمكن لأي دولة أن تبقى صامدة من دون أن تقرأ هذا التاريخ بالعين المجردة، ولا يمكن لأي شعب أن يتحد إلا بإدراك واستيعاب هذه السلسلة المتتالية) إبراهيم قراغول https://goo.gl/aaTr2s
في القمة الأمريكية العربية في الرياض مايو 2017م تم الإعلان عن (تأسيس “تحالف الشرق الأوسط الإستراتيجي”والذي ستشارك فيه العديد من الدول للإسهام في تحقيق السلم والأمن في المنطقة والعالم، وسوف يتم استكمال التأسيس وإعلان انضمام الدول المشاركة خلال عام 2018م) https://goo.gl/cEYoxk ، وهذا الإعلان عن التحالف جاء في سياق المشروع الأمريكي الجديد لمواجهة الربيع العربي والاستقلال التركي وعزلهما.
فسياسة إقامة تحالفات عسكرية ليست جديدة في تاريخ المنطقة، فبريطانيا وبعد حملتها الصليبية التي أسقطت الخلافة العثمانية واحتلت القدس، بدأت هذه السياسة قبيل الحرب العالمية الثانية، ففي عام 1937م وقعت إيران والعراق وأفغانستان وتركيا معاهدة سعد آباد “وفاق الشرق الأوسط Middle East Entente” والذي هندسته بريطانيا لإقامة جدار أمام التمدد السوفياتي الشيوعي ومواجهة الخطر النازي الألماني والفاشي الإيطالي للمحافظة على نفوذها في الخليج والشرق الأوسط وسيطرتها على مصادر الطاقة.
وبعد الحرب العالمية الثانية وفي ظل تراجع بريطانيا وفرنسا تغير ميزان القوى، وتصدر المشهد العالمي أمريكا والإتحاد السوفيتي، سارعت أمريكا وبالتنسيق مع بريطانيا وفق سياسة الاحلال بإنشاء أحلاف عسكرية في الشرق لمحاصرة الخطر الشيوعي ومنع تمدده، وخاصة في منطقة الخليج والعالم العربي وتركيا والذي يعتبر قلب النظام الدولي الذي أنشأته بريطانيا وفرنسا بعد سقوط الخلافة العثمانية الإسلامية.
ففي أنقرة عام 1953م أعد وزير خارجية أمريكا فوستر دالاس لمشروع درع الشرق لتكون تركيا مركزه لاحتواء المد الشيوعي من خلال ربط حلف الأطلسي غربا بحلف جنوب شرق آسيا شرقا، فتم إنشاء (حلف بغداد) عام 1955م والذي ضم باكستان والعراق وإيران وتركيا، ليكتمل بذلك مشروع درع الشرق الأمريكي لحماية النفوذ الغربي في العالم العربي والشرق الأوسط، فتركيا ووفقا لمبدأ ترومان وبعد البعثة العسكرية الأمريكية لمساعدة تركيا 1947-1954م https://goo.gl/etHM4n أصبحت محورا أساسيا في السياسة الأمريكية في منطقة الشرق الأوسط، وهذا ما يفسر الدور الأمريكي في الانقلابات العسكرية التي تعرضت لها تركيا لضمان بقاء محوريتها ودورها الوظيفي في السياسة الأمريكية.
ومع إنهيار الإتحاد السوفيتي لم تعد أمريكا بحاجة لسياسة التحالفات الإقليمية الوظيفية، وأعلن بوش الأب عن قيام النظام الدولي الجديد وظهرت العولمة وسياسة القطب الأوحد لتستفرد أمريكا بالنفوذ الكامل على العالم العربي ومنطقة الشرق الأوسط بعد حرب الخليج 1991م ومؤتمر مدريد 1992م.
ومع احتلال أمريكا لأفغانستان 2001م واحتلال العراق عام 2003م، وانتخاب حزب العدالة والتنمية في تركيا عام 2002م وقيام ثورة الربيع العربي عام 2010م، اهتز النظام الدولي وبدأ نفوذ واستفراد أمريكا بالسيطرة على المنطقة بالتراجع، وأصبحت تركيا المركز المحوري في السياسة الأمريكية أكثر استقلالا في سياستها الخارجية، ولهذا تعرضت تركيا للانقلاب العسكري الفاشل عام 2016م وبدعم أمريكي غربي لمنع نهوضها واستقلالها وتحرر إرادتها وهو ما وصفه رئيس الوزراء التركي يلدريم بحرب الاستقلال الثانية.
ومع هذا الاحداث الكبرى تظل ثورة الربيع العربي 2010م هي الحدث التاريخي الأهم الذي هز المنظومة الدولية التي تحكم المنطقة، وأطلقت شرارة الإرادة الحرة للعرب والأتراك على السواء، فالثورة العربية أدخلت العالم العربي وتركيا في طور جديد منح الجميع القدرة على الانطلاق نحو تحرر إرادة الشعوب من نفوذ النظام الدولي ومنظومته الوظيفية.
وبعد مرور 7 سنوات على ثورة الربيع العربي2010م وعام على فشل الانقلاب في تركيا 2016م أدركت القوى الاستعمارية خروج المنطقة عن السيطرة، ومعه ظهرت حاجة أمريكا لتعود لسياسة التحالفات الوظيفية لإعادة درع الشرق من جديد لإقامة جدار عازل بين ثورة الربيع العربي والاستقلال التركي لتعيد المنطقة لحظيرة الاحتلال، وأهم أدواتها الآن هي المشاريع السياسية برعاية الأمم المتحدة في ساحات دول الربيع العربي.
فجاء تحالف الشرق الأوسط الإستراتيجي ليقوم بالدور الأساسي في حماية هذه المشاريع السياسية الجاري هندستها في الدوائر الدولية الاستعمارية لإعادة إنتاج النظام العربي ومحاصرة تركيا قبل انتخابات الرئاسة عام 2019، وتم تحديد عام 2018م لتجرى انتخابات جديدة في العراق ومصر وليبيا ومرحلة سياسية انتقالية في سوريا واليمن ليتم الانتهاء من آثار ثورة الربيع العربي وعزل تركيا ومحاصرتها وضربها من الداخل.
فهذه التحالفات الوظيفية الجديدة هدفها الأساسي هو إنهاء ثورة الربيع العربي ومحاصرة تركيا وإرجاعها لدورها الوظيفي في السياسة الأمريكية حالها كحال النظام العربي الوظيفي، وهذا لن يتحقق إلا بعودة الجدار الوظيفي العازل بين العرب والترك والذي بني في مؤتمر فرساي 1918م الذي قسم المنطقة باسم الانتداب وبرعاية عصبة الأمم واليوم يعاد بناء الجدار باسم مكافحة الإرهاب وبرعاية مجلس الأمن الدولي والأمم المتحدة.
فالتآمر الدولي والثورة المضادة لا يفرقان بين ثورة الربيع العربي والاستقلال التركي لا في الأسباب ولا في النتائج، وأمام هذه التحديات الخطيرة لم يعد أمام قوى شعوب الربيع العربي وتركيا من خيارات سوى العمل على وحدة الصف ﴿وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا﴾ والتعاون ﴿وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَىٰ ۖ وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ﴾ لمواجهة أخطر تآمر وعدوان على الأمة وشعوبها منذ سقوط الخلافة العثمانية الإسلامية، وشعوب الأمة التي قامت بثورة الربيع العربي وكسرت مؤامرة الانقلاب في تركيا وأفشلت حصار قطر وإغلاق المسجد الأقصى تتطلع لهذه الوحدة والتعاون لمواجهة الحملة الصليبية الجديدة والذي أصبح من الضرورات الحتمية لتنعتق الأمة بعد 100 عام من الاحتلال والاستبداد.
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ﴾
الخميس 9 ذو الحجة 1438هـ 31 / 8 / 2017م
اترك تعليقًا