اليوم وأنا أراجع أرشيف سلسلة المقالات التي نشرتها في صحيفة الراي الكويتية فإذا بمقال (لاجئون في بلاد العرب) نشر في 7 / 12 / 2008م يحاكي زماننااليوم، وإليك أخي الكريم المقال يخرج بعد 10 سنوات في مشهد مازال يتكرر!
لاجئون في بلاد العرب
بقلم سيف الهاجري
7 / 12 / 2008م
الراي
اشتهر العرب طوال تاريخهم المقارب لسبعة آلاف عام بنصرة من لجأ إليهم وإكرامه، وكيف لا تكون هذه جبلتهم، وهي جبلة أبيهم إبراهيم (عليه الصلاة والسلام) من قبل. وامتد هذا الخلق الرفيع إلى عصر الجاهلية، واهتموا به وجعلوه من أهم عناصر العزة والمنعة وبذل المال والنفس من أجله، ثم أتى الإسلام وعزز مكارم الأخلاق كلها، وحث على نصرة الأخ ظالماً أو مظلوماً كما في الحديث الشريف. وفسر الرسول (صلى الله عليه وسلم) بنصرة الظالم بمنعه من الظلم، ونصرة المظلوم برفع الظلم عنه. هذا هو تاريخنا وديننا نحن العرب فما الذي تغيّر حتى نصل نحن العرب في هذا الزمن إلى أن يصبح العربي لاجئاً في وطنه العربي؟
إن أشد ما يتألم منه أي عربي حر عندما يسمع بلجوء الفلسطيني العربي من العراق إلى الأردن، والعراقي العربي إلى مصر والأردن وسورية، وسائر أقطار بلاد العرب، ولجوء الصومالي العربي
إلى اليمن، ولجوء أهل دارفور العرب إلى مصر وليبيا، ولجوء الصحراوي العربي إلى الجزائر، أيعقل أن يطلق على هؤلاء لاجئون، وهم في وطنهم العربي الكبير الممتد من المحيط إلى الخليج منذ فجر التاريخ وقبل الإسلام نفسه؟
فهذه الظاهرة الخطيرة وتاريخها مرتبط ارتباطاً شديداً بتاريخنا المعاصر والأحداث التي صنعته خلال المئة عام الماضية بالذات، ففي هذه المئة عام ترسخت القطرية الضيقة، وأُقيمت الحواجز والحدود الوهمية تحت قوة المستعمر ومؤامراته ابتداء بالاتفاقيات الثنائية مع كل قطر صغيراً كان أم كبيراً، وتوجت باتفاقية سايكس – بيكو التي رسخت التجزئة في بلاد العرب وقسمته وفقاً لمصالح ونفوذ كل من بريطانيا وفرنسا.
إن أخطر ما في الأمر استمرار حال العالم العربي تحت ظل وتأثير خريطة سايكس – بيكو حتى بعد استقلاله من الحكم الاستعماري المباشر، وأخطر من هذا الحال نفسه شرعنة هذا الواقع المصطنع باسم القطرية والخصوصية تارة وباسم الإسلام تارة أخرى، فأين من يشرعن لهذا الواقع المصطنع من تاريخ العرب الذين ظهر مجدهم بوحدتهم تحت الشعار الوحدوي الذي أتى به الإسلام «واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا».
تعتبر المرحلة التاريخية الحالية من أخطر المراحل التي يمر بها العالم العربي، فهي مرحلة متعلقة بوجود العرب كأمة تتجاوز 300 مليون عربي، وما ظاهرة اللاجئين إلا مظهر من مظاهر الأزمة السياسية الكبرى التي يعيشها العالم العربي والمتمثلة في غياب الحريات وتهميش دور الأمة وسلب حقها في تقرير مستقبلها وتعرضها إلى الظلم، وهي التي عاشت تاريخها كله حرة عزيزة.
في ظل هذا الخطر العظيم تقع المسؤولية على الجميع حكومات وشعوب في ضرورة المصالحة، والعمل جميعاً على تعزيز الحريات وإقرار الحقوق كافة للنهوض بالأمة وتحقيق الوحدة المرجوة، خصوصاً أن الهياكل الوحدوية متوافرة، كجامعة الدول العربية، ومجلس التعاون الخليجي، فالوحدة حالياً بأي شكل مقبول هي السبيل الوحيد لإخراج أمتنا من إطار الشرق الأوسط القديم لسايكس – بيكو، وحتى لا نقع في شرق أوسط جديد فنعيش مئة عام أخرى تحت ظله، وحينها لن يكون لدينا لاجئون لأننا ببساطة لن نكون موجودين.
اترك تعليقًا