حلم الحرية وبراءة السلفية الجهادية 3 ….(الثورة بين الاختراق والتوظيف)
أثبتت تجارب الأمة الجهادية والثورية أن أحد أخطر ما تواجهه في كل الساحات هو قدرة العدو المحتل بإمكاناته الدولية على اختراق الجماعات الجهادية من جهة ليفتك بالشعوب الثائرة عليه بيد مجموعات منها تخرج فجأة وبشكل سري وتقتل الأمة باسم الجهاد وتحكيم الشريعة وتنتهي فجأة بعد أن إنجاز مهمتها كما حدث للقضاء على ثورة الجزائر ١٩٩٢م، ثم في القضاء على المقاومة في العراق ٢٠٠٧م، ثم في مواجهة الثورة في سوريا منذ ٢٠١٤م.
فإذا مهد العدو الساحة المستنزفة بالدماء للعملية السياسية جاء بالجماعات السياسية الوظيفية التي تنفذ مشروع المحتل أو النظام الدكتاتوري باسم الواقعية السياسية والمصالحة الوطنية، كما حدث في الجزائر وأفغانستان والعراق وهو ما يراد اليوم في سوريا وليبيا واليمن.
وقد استطاع العدو في كل مرة عزل القوى الرئيسية التي تستعصي عليه – حين يخترق الجماعات الجهادية أو يوظف الجماعات السياسية – فيفتح الباب للدعم المالي والإعلامي والبشري والعسكري لكلا الطرفين الجهادي المخترق والسياسي الموظف، ويحاصر ويسجن ويقتل ويهجر القوى التي تقف ضد مؤامراته، كما يجري في مصر اليوم حيث زج النظام العسكري بعشرات الآلاف من الثوار الإسلاميين خاصة الإخوان المسلمين بالسجون وهجر الآلاف وقتل الآلاف لرفضهم التفاهم مع الإنقلاب ومن يقف خلفه من القوى الدولية.
ولا تلبث الساحة مدة حتى يحتدم الصراع بين المجموعات الجهادية المخترقة، والقوى السياسية الموظفة، مع صغر أحجامها في ميزان الصراع في الساحة الثورية، حتى يجر الجميع إلى صراع يقضي على الساحة كلها وتدفع شعوب الأمة ثمنها، ويكاد هذا السيناريو يتكرر في كل التجارب الحديثة، وبنفس الأسلوب، وبنفس الشخصيات، التي يفتح الباب لها لتقوم بالدور المطلوب منها من حيث تعلم أو لا تعلم، فيبدأ بالتكفير والتخوين وينتهي بالاقتتال الداخلي الذي يقضي على الجهاد والثورة ويحقق أهداف المؤامرة الدولية على الأمة وشعوبها وبيد أبنائها.
فثورة الربيع العربي منذ قيامها تواجه ثنائية الجهادي والسياسي وكونهما أهم مكونات قوى الثورة وعمادها في مواجهة التآمر الدولي والإقليمي والثورة المضادة، وهذه الثنائية الخطيرة والتي أصبحت تشكل عبئا على مسار الثورة مع مرور الزمن والسنوات على الثورة بحيث استطاعت القوى الدولية والأنظمة الوظيفية والثورة المضادة التغلل في ثنايا الثورة من خلال سياسةالاحتواء والاختراق والتوظيف وهو ما غفلت عنه التيارات الجهادية والجماعات السياسية مما أتاح للعدو طريقا من خلال هذه الثنائية وتباعدهما على مواجهة الثورة وضربها من الداخل.
فثورة الربيع العربي لها مساران أساسيين الأول المسار الجهادي الثوري والثاني المسار السياسي الثوري ولا يشك أحد في ضرورة تكاملهما لتستطيع الثورة تحقيق أهدافها وما تتطلع إليه الشعوب، وهذا ما أدركته القوى الدولية فعملت على المسارعة في الإعلان عن دعمها لتطلعات الشعوب وفتحت برنامج الدعم المالي والسياسي لقوى الثورة الجهادية والسياسية لعزلها عن الحراك الثوري الشعبي وهي بذلك تهدف لاختراق هذه القوى واحتوائها ثم توظيفها ضمن مخطط سياسي يحافظ على بقاء الأنظمة الوظيفية ويعيد تأهيلها باسم الحل السياسي الذي يجنب الشعوب الحروب والدمار وتستخدم في تنفيذ أجندتها كل الأدوات بما فيها قوى الثورة نفسها ولعل ظهور تحول الموقف الدولي والإقليمي اتجاه بقاء الأسد واستمراره خير شاهد على ذلك.
وهنا يأتي دور وعي قوى الثورة الجهادية والسياسية وقدرتها على مواجهة هذه المخططات التي تسعي لإختراقها وتوظيفها، فقوى الثورة باستطاعتها التواصل والتنسيق فيما بينها ليتحقق التكامل بين الأداء الجهادي والأداء السياسي خارج صندوق وبرامج الداعمين المسمومة والتي دقت أسفين الشر والفرقة بين هذه القوى نفسها وعزلتها عن خط الثورة وتوجهاتها.
لم يعد أمام قوى الثورة الجهادية والسياسية بقدرتها الإستمرار في المشهد الثوري وهي بهذه الحال من التشرذم والصراع فيما بينها بحيث أصبحت الثورة بين سندان القوى الجهادية التي تسير بدون رؤية سياسية واضحة تحمل تطلعات الشعوب وأهداف الثورة وبين مطرقة القوى السياسية التي تحمل قراءة ورؤية سياسية لا تعبر عن أهداف الثورة وتتماشى مع حلول دولية سياسية خطيرة، فثورة الربيع العربي أكبر وأعمق مما تطرحه هذه القوى والتي فشلت إلى اليوم في طرح نفسها كطليعة حقيقية للثورة قادرة على إحداث التغيير الحقيقي الذي تتطلع إليه الشعوب لا تغيير صوري يعيد المشهد السياسي إلى المربع الأول كما حصل في تونس ومصر ويراد في باقي ساحات الثورة إعادة الكرة مرة أخرى، ليكون أول من يدفع ثمنه هي قوى الثورة الجهادية والسياسية قبل غيرها فقوى الثورة الجهادية يتم محاصرتها وقتلها وتهجيرها والقوى السياسية يتم سجنها وتعذيبها ونفيها والخاسر الأكبر هو الشعوب وثورتها.
بعد هذه السنوات السبع أصبحت الشعوب أكثر وعيا ونضجا من القوى الثورية نفسها لما يحاك لثورتها من تآمر وخطط سياسية مشبوهة ولن تقبل الشعوب من قواها الثورية الجهادي والسياسي أن تكون أدوات وظيفية بيد أعدائها فإما أن تطور هذه القوى من أدائها والتنسيق فيما بينها لتصبح من أدوات الثورة الفاعلة في مواجهة التآمر الدولي وحينها ستكون الشعوب خلف هذه القوى الثورية والسياسية بكل قوة ودعم، وأما إذا بقيت هذه القوى الثورية متخلفة في أدائها متناحرة فيما بينها لتشكل ثغرة الدفرسوار على الشعوب والثورة فحينها فالشعوب بنفسها ستسد هذه الثغرة الخطيرة وستتعامل مع هذه القوى الثورية والسياسية المتناحرة كما تتعامل مع التآمر الدولي والثورة المضادة، والشعوب التي واجهت الأنظمة وبطشها والقوى الدولية وتآمرها لن تعجز عن غيرها، وفي نهاية المطاف فالمستقبل لشعوب الأمة وثورتها فهي سايرة في طريق الجهاد حتى تحقق النصر.
﴿والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا﴾
السبت 18 ذو الحجة 1438هـ 9 / 9 / 2017م
اترك تعليقًا