مشروع ترامب وتوظيف القوى العلمانية في الخليج

جاء بيان القوى العلمانية في الكويت – وادعائه وصاية القوى الإسلامية على حياة المجتمع – في سياق مشروع ترامب لفرض التغريب والعلمانية والتطبيع وفي سياق الحملة الإعلامية للترويج إعلاميا وسياسيا لهذا المشروع والتشهير بكل من يقف ضد هذا المشروع الأمريكي في الوقت الذي يعلم الجميع أنه لا يوجد للتيار الإسلامي هذا النفوذ والوصاية المزعومة في ظل سلطة تملك كل أدوات التحكم والسيطرة في المجتمع وبدلا من أن تقوم القوى العلمانية بمواجهة تغول السلطة واستبدادها ركبت موجة ترامب للانتقام من المجتمع الكويتي المسلم والمحافظ على دينه وهويته والرافض للتغريب والعلمانية.

لقد ظلت دول الخليج العربي سياسيا ومنذ نشأتها تفتقر لوجود جماعات وأحزاب سياسية فاعلة ولم تكن التجارب في بعض الدول كالكويت والبحرين عميقة التأثير في صناعة القرار السياسي الذي كان ولا يزال حكرا على الأنظمة في دول الخليج العربي تحت الحماية الغربية.

ومع قيام ثورة الربيع العربي بدأت التحولات الكبرى في العالم العربي وانفتحت آفاق سياسية جديدة أمام القوى السياسية الموجودة ونشأت قوى أخرى في هذه المرحلة الجديدة التي بدأت رياحها تهب على الخليج العربي ودوله الست.

لكن مع مرور 7 سنوات على الربيع العربي عجزت الجماعات والقوى في الخليج في تطوير أدائها لمواكبة التغيرات السياسية والاجتماعية في مجتمعات الخليج العربي بخلاف الأنظمة الخليجية التي استطاعت أن تتأقلم مع آثار الربيع العربي لتصبح هي المؤثر الرئيسي لمواجهته في بلدانه وتوجيهه بشكل يخدم المنظومة الدولية والعربية.

إن لدول الخليج العربي من الخصوصية الدينية والثقافية والاجتماعية ما يجعل للجماعات والأحزاب ذات التوجه الإسلامي فرصة كبرى للمساهمة في إحداث التغيير والإصلاح بما يتوافق مع عقيدة شعوب الخليج وهويتها الإسلامية بخلاف القوى الليبرالية والقومية واليسارية والتي لا تعبر عن عقيدة شعوبها وهويتها وهذا ما يفسر اصطفافها مع أنظمة الثورة المضادة بعدما تبين لها مع الثورة العربية أن الشعوب قد اختارت من تراه يمثل عقيدتها وهويتها الإسلامية.

إن شعوب الخليج العربي اليوم تواجه خطرا حقيقيا على عقيدتها وهويتها مع إعلان (مشروع ترامب) لفرض التغريب والعلمانية والتطبيع كمظهر من مظاهر ازدياد النفوذ الأمريكي في المنطقة والذي اصطفت خلفه القوى الليبرالية وصمتت تجاهه القوى القومية واليسارية أو قبلت به ولو من طرف خفي وإن رفضت التطبيع مع إسرائيل إلا أن أيدولوجيتها متوافقة تماما مع التغريب والعلمانية وتدعو لها.

لكن الأخطر من ذلك هو توجيه أو تحييد أطراف الأزمة الخليجية – بعد حصار قطر – للقوى المحسوبة عليها من جماعات وتنظيمات سياسية إسلامية سواء في داخل دول الخليج العربي أو في عواصم الغرب لتمرير (مشروع ترامب) وشن الحملات الإعلامية على عقيدة شعوب الخليج العربي وهويتها التي تتعرض للسلخ المبرمج والممنهج تحت شعار الانفتاح ومواجهة التطرف الذي صارت أصابع الاتهام به توجه فقط لمن يرفض أو يقاوم (مشروع ترامب) في الخليج والجزيرة العربية.

إنه لا مستقبل في الخليج والجزيرة العربية لمشروع العلمانية والتغريب والتطبيع ولا لأي دولة أو جماعة أو حزب يقف معه سواء ممن يحمل فكرا يتعارض مع عقيدة شعوبها أو ممن يشن حملات مشبوهة على هويتها ولو كان ممن يحسب على التيار الإسلامي.

فالتغريب والعلمنة التي يهدف لها (مشروع ترامب) ما هو إلا مظهر من مظاهر تعزيز النفوذ الاستعماري في المنطقة سواء تبنته حكومات أو جماعات وأحزاب.

ففي ظل رياح (مشروع ترامب) بدأت في العواصم الغربية وخصوصا لندن تتشكل غيوم نموذج المعارضة العراقية فوق سماء الخليج والجزيرة العربية وبترتيبات دولية وإقليمية ووفق الاتفاق النووي الإيراني وملحقاته السرية كما جرى في أفغانستان 2001 والعراق 2003.

فشعوب الخليج والجزيرة العربية تواجه تحديات تاريخية خطيرة تهدد عقيدتها وهويتها ووجودها وعليها وعلى علمائها ودعاتها وقواها السياسية الحرة مسئولية كبرى لمواجهة هذه المشاريع الاستعمارية .

وإنه لن يتحقق الأمن والاستقرار في الخليج العربي باستنساخ النموذج العراقي من خلال فرض مشروع التغريب والتطبيع بل يتحقق بتحرر شعوب الخليج والجزيرة العربية ودوله من النفوذ الأجنبي وقواعده العسكرية وتحقق وحدتها على أسس عقيدتها الإسلامية لتصبح الأمة وشعوبها هي صاحبة الحق في اختيار من يحكمها ويدير شئونها لا المشاريع الاستعمارية المشبوهة التي ترتب وترسم خططها في عواصم الغرب لترسيخ الاستبداد والوجود الأجنبي بتغيير الواجهات الوظيفية حين تنتهي صلاحياتها على حساب شعوب الأمة وسيادتها وحريتها ودينها وهويتها ووجودها.

السبت 22 جمادى الآخرة 1439هـ 10 / 3 / 2018م

اترك تعليقًا

إملأ الحقول أدناه بالمعلومات المناسبة أو إضغط على إحدى الأيقونات لتسجيل الدخول:

شعار ووردبريس.كوم

أنت تعلق بإستخدام حساب WordPress.com. تسجيل خروج   /  تغيير )

Facebook photo

أنت تعلق بإستخدام حساب Facebook. تسجيل خروج   /  تغيير )

Connecting to %s

إنشاء موقع إلكتروني أو مدونة على ووردبريس.كوم قالب: Baskerville 2 بواسطة Anders Noren.

أعلى ↑

%d مدونون معجبون بهذه: