يوم أمس الاثنين 11 / 6 / 2018م عقدت قمة سنغافورة بين الرئيس الأمريكي ترامب وزعيم كوريا الشمالية كيم جونغ أون لتنهي الأزمة في الشرق الأقصى وتفتح باب الحل السياسي لها.
إن المتابع للحدث يتعجب من التراجع الأمريكي لدرجة أن الرئيس الأمريكي يقدم بنفسه للقاء زعيم دولة مستبدة تعاني من عزلة دولية سياسيا وإقتصاديا، فما الذي استجد لنرى هذا التراجع بعد سنوات من الحصار الأمريكي المفروض على كوريا الشمالية ورفضها لأي تفاوض معها قبل خضوعها؟
إنها الثورة العربية والتحرر التركي…
فبعد سنوات من الحرب والاستنزاف في أفغانستان والعراق وبروز قوى دولية منافسة أخرى كالصين وروسيا فقدت أمريكا قدرتها على مواجهة عدة أزمات في وقت واحد كما تقتضي سياستها الاستراتيجية المبنية على خوض حربين في وقت واحد والتي إعتمدتها بعد نهاية الحرب الباردة وأفشلتها المقاومة الأفغانية والعراقية مما كان له تداعياته الخطيرة على قدرة أمريكا في ضبط المنطقة وحماية نفوذها ومصالحها.
في ظل هذه المتغيرات القدرية…
جاءت الثورة العربية 2010م وتحرر تركيا من النفوذ الأمريكي بعد فشل الانقلاب العسكري 2016م ليهتز العالم الغربي من هذه التحولات الكبرى التي يشهدها في العالم العربي وتركيا واتجاهها نحو التحرر من النفوذ الغربي الصليبي والاستبداد الداخلي الوظيفي بعد 100 عام من سقوط الخلافة والأمة وشعوبها.
لقد صدق وزير الخارجية الأمريكي الأسبق جون كيري عندما وصف ما تشهده المنطقة (بالملحمة التاريخية من المحيط إلى الخليج لا يمكن السيطرة عليها) فهذا ما أدركته أمريكا منذ اليوم الأول لقيام الثورة فشكلت غرفة عمليات دولية مشتركة لمواجهتها واستنفر الغرب حسه التاريخي والديني لمواجهة هذا الصعود للأمة والذي أفزع الدوائر الصليبية الغربية فسارعت بشن حربها بالتدخل المباشر وبالثورة المضادة والانقلابات العسكرية بأدواتها الوظيفية التي صنعتها ورعتها لعقود منذ قيام الأنظمة الوظيفية في المنطقة.
إن كوريا الشمالية ملف وظيفي استغلته أمريكا منذ الحرب الكورية عام 1950م لتشغل الشرق الأقصى به وتشرعن به وجودها العسكري فيه بعد الحرب العالمية الثانية واحتلالها لليابان وكوريا واليوم مع تزعزع النفوذ الأمريكي في المنطقة بعد الثورة العربية سارعت لإغلاق هذا الملف لتتفرغ لملف الثورة وتركيا الذي بدأ يخرج من يدها رويدا رويدا.
لم يشهد العالم اليوم هذه التحولات السياسية الكبرى في العقد الأخير إلا بعدما انفجرت قنبلة الثورة العربية والصعود التركي في وجه سيطرة الغرب الصليبي على العالم العربي والإسلامي فارتخت قبضته على الأمم والشعوب في أمريكا الجنوبية وأفريقيا وآسيا فبدأت تتجه نحو التحرر من استعمار الغرب منذ قرون وهذا ما يفسر حضور الرئيس الفنزويلي مادورو للقمة الإسلامية في أسطنبول بحثا عن الثورة والتحرر من النفوذ الأمريكي، وصعود أول رئيس وزراء أثيوبي من شعب الأورومو المسلم لسدة الحكم في أثيوبيا ذات التاريخ المسيحي العريق.
وهكذا فمن الواضح بعد كوريا الشمالية ستبدأ حتما المواجهة التاريخية بين الثورة العربية وقواها وتركيا وقيادتها مع الغرب بزعامة أمريكا والتي بدأت منذ قدوم الرئيس ترامب بتنفيذ خطتها الكبرى للتسوية السياسية في المنطقة والتي تسمى (صفقة القرن) وأنشأت التحالفات الإقليمية الجديدة سياسة وعسكرية لتوظيفها في إطار خطتها في المواجهة الكبرى القادمة للقضاء على الثورة العربية وضرب النهضة التركية.
كل قوى العالم في سباق مع الزمن لقطع الطريق على النهوض الإسلامي والعودة المنتظرة للأمة والذي تصغر معها كل ملفات الأزمات العالمية ككوريا الشمالية وأوكرانيا وغيرهما، فالأحداث والمواجهات الكبرى بين الأمة وأعدائها هو ما جعل القوى القومية والمسيحية المتطرفة تصعد سياسيا في الغرب وما وصول ترامب لمقعد الرئاسة الأمريكية إلا أحد أبرز مظاهر هذا التحول السياسي في الغرب.
في ظل هذه التحولات السياسية التاريخية واستنفار أعداء الأمة وشنهم للحملات عليها من السذاجة والغفلة النظر للأحداث الكبرى في العالم العربي وتركيا بأنها مؤامرة غربية أو فتنة داخلية بل هي ثورة الأمة وتحررها من النفوذ الغربي والاستبداد الداخلي فهذه الحقيقة التي أدركها الغرب وأدواته الوظيفي، فينبغي على قوى الأمة وثوارها وحركات التحرر فيها أن تعي هذه الحقيقة وتستعد لتحولات تاريخية كبرى لم تشهدها المنطقة منذ سقوط الخلافة.
إن خيرية هذه الأمة لها ثمنها وهو قدرها (كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ) وليس أمامها إلا مواجهة هذه التحديات الكبرى والتآمر الدولي كأمة واحدة والاستعانة بالله عز وجل وحده فهو نعم المولى ونعم النصير.
(وَمَا جَعَلَهُ اللَّهُ إِلَّا بُشْرَىٰ لَكُمْ وَلِتَطْمَئِنَّ قُلُوبُكُم بِهِ وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِندِ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ) .
الثلاثاء 27 رمضان 1439هـ 12 / 6 / 2018م
اترك تعليقًا