حاول كتاب ومفكرون قراءة المواقف السياسية للجماعات الإسلامية اتجاه الأنظمة والثورة ومعرفة أسبابها وأهدافها وأرجع الكثير منهم هذه المواقف إلى:
•ضعف الأداء وعدم الكفاءة السياسية •السذاجة والبساطة السياسية •الأنانية السياسية والتعصب الحزبي
هذه الأسباب لا تخلو منها الجماعات والأحزاب الإسلامية ولكن لم يتطرق أي من هؤلاء إلى الأسباب الحقيقية للتفاهمات والتحالفات السياسية بين هذه الجماعات والنظام الدولي والعربي.
إن الرجوع إلى تاريخ هذه الجماعات ومواقفها في غاية الأهمية لمعرفة حقيقة هذه التفاهمات والتحالفات بينها وبين المنظومة الدولية والعربية في أثناء الحرب الباردة منذ الخمسينات (عندما استخدمت المخابرات الأمريكية قسم العلاقات الحكومية في شركة أرامكو لإنشاء خلايا إسلامية… وكان الملك فيصل وبدعم أمريكي يقود تحالفا إسلاميا) “جمال عبدالناصر آخر العرب–سعيد أبو الريش ص305-306 مركز دراسات الوحدة” لمواجهة التمدد الشيوعي والناصري وفقا لمبدأ أيزنهاور1957م ليتطور بعد ذلك هذا التحالف لمواجهة التيار الجهادي في التسعينات والألفية لتظهر أخيرا نتائج هذا التحالف الكارثية على ساحات الثورة العربية لنجد هذه الجماعات تصطف مع النظام الدولي والعربي وتتفاهم معه وكأن ما يجري فوضى وليس ثورة شعوب لتفتح الطريق لاحتواء الثورات وإعادة إنتاج النظام العربي من جديد بواجهة إسلامية لكنها وظيفية كالنظام السابق.
هذه الأداء الوظيفي للجماعات لا علاقة له بضعف الأداء والسذاجة والأنانية والتعصب بل هو راجع إلى طبيعة نشوء هذه الجماعات في ظل الاحتلال الأجنبي ومنظومة الاستبداد العربي وهذا الذي يحتاج إلى البحث والدراسة لفهم طبيعة مواقف هذه الجماعات اتجاه الشعوب والثورات.
لقد حرصت المنظومة الدولية والعربية التي تحكم المنطقة على منح المساحات السياسية والدعوية والإقتصادية للجماعات الإسلامية لمواجهة التغيرات في المجتمعات الرافضة للهيمنة والاستبداد وخاصة التيارات القومية واليسارية من بعد الحرب العالمية الثانية والتيار الجهادي بعد تحرير أفغانستان واليوم ثورة الشعوب.
لقد قامت المؤسسات الإقتصادية كالبنوك والشركات الإسلامية والجمعيات الخيرية والدعوية برعاية رسمية من النظام الدولي والعربي (لقد أنشئت البنوك الإسلامية لتكون البديل الإسلامي لنسق البنوك الأمريكية والأوربية وتوجه زكواتها للأغراض التي تخدم الحركة الإسلامية بوجه عام) “الجماعات السياسية الإسلامية والمجتمع المدنى–أحمد حسين حسن ص231 الدار الثقافية للنشر” وبهذا المؤسسات تمكن النظام العربي والدولي من تنظيم وتمويل نشاط الجماعات الإسلامية في الساحة الشعبية واحتوائها، فحاجة النظام العربي لواجهة شعبية لا تقل عن الواجهة الرسمية ولا يملك هذه القدرة إلا الجماعات الإسلامية لطبيعة المجتمعات العربية المحافظة.
وقد استفاد النظام الدولي والعربي من ترتيباته هذه في ضبط حركة الشارع وتوجيهه لعقود، وهنا الاستاذ يوسف ندا يحدثنا عن دور الحركة الإسلامية في انقلاب 1952م في مصر فيقول (وصلنا إخطار مسبق بوقوع انقلاب وشيك وأمرنا بحماية السفارات الأجنبية والبنوك والمباني الحكومية….وكلفوني بالمساعدة في حراسة القنصلية البريطانية في الإسكندرية…وعقب نجاح الانقلاب أطلق سراح من تبقى من المعتقلين…وكانوا يظنون فيه شدة الوفاء – أي جمال عبد الناصر– لكنه انقلب عليهم) وهذا الحدث هو أول دور شعبي للحركة الإسلامية في الساحة العربية ومن بعده توالت الأحداث والمواقف على نفس النسق والدور.
ففي أفغانستان وبعد الاحتلال السوفيتي الشيوعي 1979م وفي إطار الحرب الباردة تدخلت أمريكا في الساحة الأفغانية لدعم حركات الجهاد والمجاهدين الأفغان وتحت شعار مواجهة الشيوعيين الملحدين تم تجييش العالم الإسلامي وتوظيف الجماعات لتحقيق استراتيجية ريغان في مواجهة الاتحاد السوفيتي كما ذكر الأمير بندر بن سلطان ذلك في مذكراته فيقول (لم نستخدم مقولات الشرق الغرب أو العداء الأميركي للشيوعية، بل استخدمنا الدين قلنا الشيوعيون ملحدون إنهم غير مؤمنين ونحن نحارب لأسباب دينية وجيشنا العالم الإسلامي وراءنا، وهو ما توافق تماما مع استراتيجية ريغن لقتال الاتحاد السوفياتي في منطقة لا يستطيعون التأثير فيها كما نؤثّر نحن) “كتاب الأمير–وليام سيمبسون ص141 الدار العربية للعلوم ناشرون“، وعندما جاءت حركة طالبان وبعد إنهائها للحرب الأهلية وإعلانها الإمارة الإسلامية في أفغانستان عادت أمريكا لتحتل أفغانستان عام 2001م وتدخله من بوابة الجماعات فدعمت تحالف الشمال والجماعات والأحزاب الإسلامية كالجمعية الإسلامية الأفغانية برهان الدين رباني وحزب الاتحاد الاسلامي عبد رب الرسول سياف لتمهد هذه الجماعات للدخول الأمريكي وإسقاط حركة طالبان وفتح بوابة كابول للاحتلال الأمريكي ليبقى فيها إلى يومنا هذا.
وفي الجزائر وبعد الانقلاب العسكري 1992م على اختيار الشعب الجزائري للجبهة الإسلامية للإنقاذ سعى النظام العسكري لترتيب المشهد السياسي بالتعاون مع القوى الإسلامية لدفع قيادات الجبهة للقبول بنتائج الانقلاب والرضا بالأمر الواقع وهنا يكشف لنا الاستاذ يوسف ندا عن هذا التعاون فيقول (في عام 1994م جاء محفوظ نحناح –رحمه الله– إلى كومو الإيطالية وقابلته وقال هل هناك وسيلة لإقناع عباس مدني وعلي بلحاج للتفاهم مع الرئيس زروال لإنقاذ البلاد؟ فقلت له خذ لي أذن لزيارتهم في السجن وأنا مستعد فقال رتب أمورك وأنا سأرتب مع الرئيس ورجال أمنه، وفي اليوم التالي استقبلني محفوظ في المطار وقال لي: سنلتقي فيما بعد فهذه حدودي واختفى… والتقيت لاحقا في فيلا بمحفوظ والجنرال بتشين… وبدأت في لقاء القادة الذين سجلوا طلباتهم وملاحظاتهم…) وأكدوا في طلباتهم على رفضهم لنتائج الانقلاب وطلبوا منع الجيش من التدخل وإعادة الاعتبار لنتائج الانتخابات التي انقلب عليها ويقول ندا (قرأ لي علي بلحاج رسالته للرئيس زروال فأصبت بالهلع والتشاؤم… رغم شعوري أنهم متدينون وممكن يقال أنهم يصلحون للتظاهرات لكن لا يمكن بأي حال أن يطلق عليهم ساسة) “من داخل الإخوان المسلمين يوسف ندا مع دوجلاس تومسون– ص40 ص 114-118 دار الشروق” وهكذا كان دور الجماعات في المشهد الجزائري السياسي ولا زال الشعب يدفع الثمن.
والمشهد العراقي أشد خطورة وإيلاما ففي عام 2003م عندما احتلت أمريكا العراق حرص الاحتلال على تشكيل نظام سياسي موال له في العراق فبدأ بإنشاء مجلس الحكم بتوصية من غسان سلامة –المبعوث الدولي الحالي في ليبيا– وانتهى بالنظام السياسي الطائفي الحالي، وقد كشف بريمر في مذكراته “عام قضيته في العراق ص373 دار الكتاب العربي” عن مدى عمق التوظيف الأمريكي للأحزاب الإسلامية في تمرير مخططات الاحتلال السياسية في العراق ففي فبراير 2004م في فترة تولي عبدالمحسن حميد رئيس الحزب الإسلامي لرئاسة مجلس الحكم ناقش المجلس وضع الإسلام كمصدر للتشريع في القانون الإداري ويصف بريمر كيف كانت الخلافات والصراع بين الأحزاب حول هذه القضية، فلك أن تتخيل أحزاب إسلامية سنية وشيعية تناقش تشريع الإسلام تحت رعاية الاحتلال لتدرك مدى عمق التوظيف والاحتواء وخطورته لدرجة قبول الاحتلال والعمل تحت حرابه بما يتعارض تماما مع قطعيات الإسلام وتشريعاته الذي يناقشونها في مجلسهم الصوري.
وعندما جاءت مرحلة الثورة العربية عام 2010م تجلى في أحداثها على مدى سنواتها إلى اليوم الدور الوظيفي للجماعات بتوجهاتها المختلفة في تفاهمها مع النظام الدولي والعربي في كل الساحات…
ففي تونس مهد الثورة العربية ومع عودة الثورة المضادة في كل الساحات تفاجأت الساحة التونسية بخبر لقاء سري تم في باريس بين حركة النهضة الإسلامية وحزب نداء تونس والذي يمثل بقايا النظام السابق في يوم الخميس 15 أغسطس 2013م والذي وصفه الرئيس التونسي الأسبق المنصف المرزوقي في “برنامج شاهد على العصر ح24″ بأنه اللقاء (اللي تقرر فيه كل شي) وقال أيضا (في 6 /12 / 2014م وقع آخر اجتماع بين الغنوشي والسبسي في دار تونسي أمريكي مع السفير الأمريكي ويبدو أنه رتب كل شيء) لتمهد أمريكا وفرنسا بهذه اللقاءات الخطيرة الطريق لتغيير المشهد السياسي في تونس والالتفات على الثورة باسم الديمقراطية والدستور بعد أن تم اقراره باشراف مجلس أوربا ومركز كارتر الأمريكي ” https://tinyurl.com/yclusor5 “.
وفي المشهد المصري في يناير 2012م كانت هناك محادثات على مستوى عال غير معلنة لعدة أسابيع بين الإدارة الأمريكية وحزب العدالة والتنمية “من داخل الإخوان المسلمين يوسف ندا مع دوجلاس تومسون– ص 214 دار الشروق ” وفي الوقت الذي تستعد فيه مصر لأول انتخابات حرة في ظل الثورة استطاعت أمريكا بهذه التفاهمات والترتيبات ومن خلال سفيرتها آن باترسون وتواصلها الدوري مع الجماعات والأحزاب الإسلامية على احتواء المشهد السياسي وتوجيهه إلى درجة أنها تشكل الحكومة ومن يرأسها وهو ما أكده د. يونس مخيون رئيس حزب النور من أن (السفيرة الأمريكية آن باترسون اتصلت بى وطلبت دعمنا فى ترشيح البرادعى لتولى رئاسة الوزراء ولكننا رفضنا ذلك) “https://tinyurl.com/y7szwtwy ” وعندما تهيأت قوى الثورة المضادة لانقلاب 2013م قلب المجلس العسكري ظهر المجن لتفاهماته مع حزب العدالة والتنمية وبدعم من حزب النور ليتكرر المشهد الجزائري في القاهرة لكنه بشكل معكوس هذه المرة ليتساوى الجميع في التوظيف والاحتواء.
وفي سوريا تعقد المشهد السياسي والثوري بعد تدخل الأنظمة الوظيفية كداعم للثورة السورية وتشكل المجلس الوطني السوري ثم الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية ولعبت الحركة الإسلامية الدور الأكبر في هذه المؤسسات التي رعتها الأنظمة العربية والقوى الدولية لتمرير الحلول السياسية باسم الثورة والمعارضة إلى حد تغيير رؤية هيئة التفاوض العليا بشأن بقاء الأسد ليصبح جزءا من الحل السياسي الانتقالي الذي تحاول القوى الدولية تمريره بتفاهمها مع القوى والجماعات، لكن زخم البعد الثوري حال دون تمرير مثل هذه الحلول وظهورها على الساحة بشكل جلي وإلا فالجماعات عندها قابلية لمثل هذه الحلول (ففي منتصف العام 2011، تلقت سورية من قطر والإمارات العربية المتحدة تضمنت الاقتراحات الاماراتية المنسقة مع الولايات المتحدة قيام الإمارات بدفع مبالغ تتجاوز 10 مليار دولار لتحديث الاقتصاد السوري والقيام بإصلاحات سياسية وإعادة العلاقات مع ايران وحزب الله الى حجمها الطبيعي والتعهد الخليجي بدفع عملية السلام مع اسرائيل وأما المقترح القطري فكان يتمثل بعودة الحركة الإسلامية لسورية وتقاسم السلطة مع حزب البعث) “مقال: عن صديق والدي: تلاعب إيران ببشار الأسد للدبلوماسي السوري بسام بربندي والمحامي الدولي تايلور جيس تومبسون https://tinyurl.com/yayjj5q3 ” وهذا ما يفسر ضعف أداء هذه المؤسسات السياسية التي تتحدث باسم الثورة والتي حظيت بدعم القوى الدولية والإقليمية واعترافه، وأما القوى الثورية المسلحة في الساحة السورية فقد ارتكبت خطأ استراتيجيا تدفع ثمنه الثورة اليوم عندما ارتبطت هذه القوى بالدعم الخارجي من الأنظمة والجماعات الحليفة لها فأصبحت مواقفها وحركتها الثورية في الساحة السورية مرتبطة بقرار خارجي ففقدت بذلك استقلالها وهو الشرط الأساسي لأي حركة ثورية، لهذا فلا يتصور أن يحرر الشعب السوري قوى سياسية وثورية مرهون قرارها بالترتيبات الدولية والدعم الخارجي الوظيفي فهذا هو السر في التراجع الذي تشهده في الساحة السورية.
وفي المشهد اليمني تكرر نفس السيناريو فبعد خروج الشعب اليمني عام 2011م في تظاهرات مطالبا بإسقاط النظام استمر حزب التجمع اليمني للإصلاح في ممارسة دوره السياسي في ظل الثورة من خلال تكتل أحزاب اللقاء المشترك الذي أنشأ عام 2003م مع الاشتراكيين والناصريين والبعثيين ليمهد هذا التكتل الوظيفي بعد الثورة في أبريل 2011م الطريق للمبادرة الخليجية وبرعاية دولية لتفرض الحل السياسي الذي أخرج الثوار من المشهد السياسي ومنح السلطة الشرعية لنائب علي عبدالله صالح والذي فشل في احتواء الثورة سياسيا فتم إخراجه وحلفائه الإسلاميين حزب التجمع اليمني للإصلاح وحزب الرشاد من صنعاء وفتحت أمريكا الطريق من خلال المؤسسة العسكرية لجماعة الحوثي للسيطرة على صنعاء وقمع الثورة فيها لتنقلب التفاهمات التي أبرمتها القوى الإسلامية مع نائب علي صالح عليهم ويتكرر المشهد المصري في صنعاء لتخرج القوى الإسلامية منها لتستمر في ممارسة دورها الوظيفي من العواصم الخليجية والعربية، ومن يتابع لقاءات قياداتها يدرك أنها ما زالت تمارس نفس الدور الوظيفي الذي كانت تقوم به في صنعاء وكأن ما حصل في صنعاء لا علاقة لمن استضافهم بها.
وفي ليبيا لا يختلف فيها المشهد عن اليمن فنتائج المشهد السياسي لم تكن تتناسب مع أداء المشهد الثوري الذي أسقط الطاغية القذافي ومؤسساته لتسارع القوى الدولية إلى الدفع بالأمم المتحدة للتدخل في ليبيا لترتيب المشهد السياسي بعد الثورة وهنا يؤكد الباحث الليبي السنوسي بسكيري(بأن خصوم المشروع الإسلامي بشكل عام يفضلون أن يكون على الجهة المقابلة من طاولة التفاوض والتدافع السياسي اليوم حزب العدالة وليس أي طرف إسلامي آخر من المعارضين للاتفاق السياسي) ” https://tinyurl.com/y9smsvsy ” وهنا استعانت هذه القوى الدولية بالجماعات والاحزاب التي تقبل بالتفاهم معها ولا تحمل الروح الثورية الجذرية ففتح لها الطريق السياسي ولم تعترف بغيرها وحاصرت ونفت كل من رفض المبادرات الدولية كاتفاق الصخيرات الذي مهد للتقسيم السياسي في ليبيا وتقسميها لأقاليم في وضع مشابه للمبادرة الدولية في اليمن، وهذا الموقف للحركة الإسلامية لا يستغرب منها فقد سبق لها أن قبلت بالتفاهم مع سيف الإسلام القذافي في عام 2006م وفق مبادرة (معا من أجل ليبيا الغد) “https://tinyurl.com/ybrof9ys” ليرجعوا اليوم في ظل الثورة ويمارسوا نفس الدور وإنما مع القوى الدولية هذه المرة.
والمشهد الفلسطيني بجماعاته وحركاته ليس ببعيد عن مثل هذه الترتيبات والتفاهمات الدولية والإقليمية ولعلها تحتاج إلى بحث منفرد فهي قضية مركزية حساسة لم تتهيأ الساحة بعد لنقد نشاط الجماعات والحركات في الساحة الفلسطينية كونها تواجه العدو الصهيوني ولكنها بالمجمل لا تختلف كثيرا عن كل ساحات الثورة العربية وخصوصا في الموقف من النظام العربي وإيران والثورة العربية نفسها…
وهكذا فلا يمكن عزو كل هذه المواقف المتكررة لمواقف الجماعات إلى السذاجة السياسية بل السذاجة هنا هو التفسير نفسه فينبغي إعادة قراءة التاريخ والأحداث بمنظور أوسع وأكثر وعيا وتحررا من سطوة ورهبة الهالة الدينية التي غلف بها قصدا أداء الجماعات لتحصينها من النقد أو الإصلاح أو التغيير لتستمر في دورها المرسوم.
هكذا يدار المشهد السياسي في العالم العربي والإسلامي لعقود إن لم يكن لقرن منذ سقوط الخلافة من قبل النظام الدولي فكما شكل النظام العربي فكذلك شكلت الجماعات والحركات وترعرعت في ظل هذا النظام لتصبح مؤسسات فاعلة في مجتمعاتها يستطيع النظام الدولي التفاهم معها لضبط حركة الشارع والتغيرات والتحولات التي تحدث فيه وآخرها الربيع العربي وثورة الأمة التي هزت كيان النظام الدولي والعربي وهزت معه هذه الجماعات والحركات الوظيفية.
ومع هذا فإن ما تتعرض له الجماعات الإسلامية اليوم من انكشاف سياسي في ظل الثورة العربية هو من رحمة الله بهذه الأمة الذي تجري سننه على الجميع ﴿مَّا كَانَ اللَّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَىٰ مَا أَنتُمْ عَلَيْهِ حَتَّىٰ يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ﴾ وهذا ما تحتاجه حصون الثورة اليوم في ظل تراجعها الظاهر في كل الساحات وانغلاق الأفق أمام قوى الثورة الشعبية بحسن ظنها واعتمادها على هذه الجماعات الإسلامية الدعوية والسياسية والجهادية فتعرضت الثورات للاحتواء والاختراق ووظفت قواها لضرب الثورة وفرض الحلول السياسية برعاية دولية.
إنه من الطبيعي عندما تهاوى النظام العربي هوى معه كل من ارتبط بمنظومته من مؤسسات وجماعات وأحزاب فلا يستغرب هذا السقوط وما آثاره التي نراها اليوم إلا بدايات وسترى شعوب الأمة في الموجات الثورية القادمة ما مدى عمق الفساد السياسي الذي ضرب جذوره في مؤسسات وقوى وجماعات وهذا متوقع في ظل الاحتلال الأجنبي الصليبي للعالم العربي وتوظيفه لمنظومة الاستبداد العربي فما أظهرته الثورة العربية اليوم إنما هو رأس جبل الجليد فحصوننا مهددة من الداخل وما خفي أعظم.
﴿ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُم بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ﴾
الأحد 9 ذو القعدة 1439هـ 22 / 7 / 2018م
اترك تعليقًا