(إن العرب فى التيه ولا يمثلون رسالة الوجود بل هم اليوم فى خارج الفاعلية الحضارية)
من خطاب رئيس وزراء أثيوبيا آبي أحمد أمام الجالية الأثيوبية المسلمة في أمريكا
تفاجأت المنطقة بالتحولات الغريبة والمتسارعة في منطقة القرن الأفريقي هذا العام 2018م وخاصة التقارب الأثيوبي الأرتيري بعد التغييرات السياسية الداخلية في أثيوبيا إثر الاحتجاجات الشعبية من قومية الأرومو المسلمة في العاصمة أديس أبابا الواقعة في إقليم الأرومو مما جعل النظام السياسي الأثيوبي يهتز ويسارع لترتيب صفوفه من الداخل بما يتوافق مع المتغيرات الداخلية بحيث لا تفقد الطبقة السياسية المسيحية الحاكمة نفوذها وحكمها لأثيوبيا بل وفي القرن الأفريقي كله.
إن التحولات السياسية في الأفريقي لم تكن لتحدث لولا الثورة العربية التي هزت المنظومة الدولية والأقليمية التي تحكم المنطقة مما جعل القوميات المسلمة المهمشة في أثيوبيا تتطلع إلى دور أكبر في المشهد السياسي الأثيوبي وإلى تحرير علمائها وقادتها من السجون والاعتقال والنفي مما أرعب النظام الدولي من انتقال الربيع إلى أثيوبيا القلعة السياسية المسيحية الأخيرة في الشرق الأوسط في نظرهم.
وازداد رعب النظام الدولي مع دخول تركيا بتاريخها العثماني المرتبط بمنطقة القرن الأفريقي بتفاهماتها واتفاقياتها مع السودان الذي فتح الطريق للوجود التركي السياسي والإقتصادي والعسكري في المنطقة مما سيهدد الهيمنة الأمريكية والغربية على منطقة القرن الأفريقي كما هددتها الثورة في العالم العربي.
لذا سارعت القوى الدولية إلى تحصين منطقة القرن الأفريقي من تأثير الربيع العربي والتواجد التركي بما نراه اليوم من تحولات سياسية في أثيوبيا وأريتريا والصومال في مشهد غريب بعد عقود من الحروب والصراع وتباين سياسي فيما بينهم واليوم جمعهم الخوف من تأثير الربيع العربي والتقدم التركي على الشعوب والقوميات المسلمة التي تمثل الأغلبية العظمى في شعوب القرن الأفريقي.
وقد سارعت الطبقة السياسية الحاكمة وبرعاية دولية وترتيب أمريكي إلى تغيير واجهتها السياسية للحد من الحراك الشعبي للقوميات المسلمة فصدرت آبي أحمد المسيحي الأورومي على رأس الحكومة الجديدة وتراجعت الأقليات المسيحية عن تصدر المشهد السياسي ولكن ظل شرط المسيحية لمن يحكم أثيوبيا قائما فهم يرونهم حقا تاريخيا ولو كانوا أقلية وفي ظل نظام ديمقراطي.
والأهم بالنسبة لأمريكا هو أن تكون هذه التحولات في المشهد السياسي واتجاهاتها في القرن الأفريقي ضمن الترتيبات الأمريكية لمنطقة الشرق الأوسط بما يتناسب مع أهداف مشروع صفقة القرن التي طرحها الرئيس ترامب لإنهاء الثورة العربية واحتواء النهضة التركية.
لقد كشف الخطاب الخطير لرئيس الوزراء الأثيوبي آبي أحمد أمام الجالية الأثيوبية المسلمة في أمريكا حقيقة الخطوات السياسية التي قامت بها الطبقة السياسية الحاكمة في أثيوبيا والترتيبات الأمريكية في أثيوبيا والقرن الأفريقي، ففي هذا الخطاب تحدث آبي عن دور الإسلام في السلام والرحمة وعلاقته بأثيوبيا ليصل بالجمهور المسلم إلى السبب المحوري في التحولات والتغييرات السياسية فيهاجم العرب فيقول (العرب فى التيه ولا يمثلون رسالة الوجود) ليضع حاجزا نفسيا وحضاريا وسياسيا بين المسلمين في أثيوبيا وعمقهم العربي الاستراتيجي وليصل بالقوميات المسلمة في أثيوبيا إلى ما تهدف إليه أمريكا والنظام الأثيوبي والإرتيري بإقامة جدار عازل بين أثيوبيا والقرن الأفريقي والعمق العربي الثائر فقال (الحروب العبثية في مصر واليمن وليبيا جعلت العرب خارج الفاعلية الحضارية)“انظر مقال عبدالرحمن بشير ماذا وراء التفاهم الإثيوبي الإريتري” https://tinyurl.com/yauy9e9a
فإذا كان هذا وصف رئيس الوزراء الأثيوبي آبي أحمد لثورة الشعوب العربية على الظلم والطغيان بالحرب العبثية وأنها سبب تخلفهم الحضاري وفي نفس يعقد الاتفاقيات والتحالفات مع قوى الثورة المضادة فلما تروج الجماعات والأحزاب الوظيفية لخطابه السياسي وتدعو لتبنيه؟.
فمع هذا الانكشاف للخطاب السياسي المزدوج لأثيوبيا وتفاهمها السياسي مع النظام الإرتيري وقوى الثورة المضادة ظهرت هذه الجماعات الوظيفية لتروج لهذا الخطاب وفقا لتفاهمات إقليمية وبرعاية أمريكية لتلعب هذه الجماعات دورا في الساحة السياسية الإسلامية في القرن الأفريقي لتظل هذه الجماعات أسيرة لدورها الوظيفي التاريخي ومصالحها الضيقة.
ما يحدث في المشهد السياسي في أثيوبيا والقرن الأفريقي من ترتيب دولي وتفاهم أقليمي ودور للجماعات متشابه تماما مع المشهد العربي وما تواجهه الثورة العربية من تآمر دولي وإقليمي بخطابات سياسية مزدوجة وأدوات وظيفية متواطئة.
لقد ذكر لي حقيقة المشهد السياسي في أثيوبيا رجل أثيوبي بسيط إلتقيت به بداية هذا العام فسألته ما الذي يجري في أثيوبيا وما حقيقة الأزمة هناك في رأيك؟ فأجاب ببساطة وبدون تفكير (أمريكا) فقلت: كيف؟ قال(هي وراء مشاكلنا)، فهل يدرك هذا علماء الشعوب الإسلامية وقادتها في القرن الأفريقي والجماعات الإسلامية ما أدركه هذا الرجل البسيط ويخرجوا من الإطار السياسي الوظيفي الذي رسمه لهم النظام الدولي والأقليمي.
إن العمق العربي والإسلامي الاستراتيجي هو الرهان الحقيقي للشعوب الإسلامية في القرن الأفريقي، فالنظام الدولي في طريقه للانهيار بعد الثورة العربية والتحرر التركي، والحفاظ على التعايش السلمي بين الشعوب مطلب شرعي ، لكن القوى الغربية وأدواتها الوظيفية تحرص على ضرب هذا التعايش بين الشعوب المسلمة والأقليات الدينية لتبقى الهيمنة الغربية على العالم العربي والقرن الأفريقي على حد سواء.
الخميس 20 ذوالقعدة 1439هـ
2 / 8 / 2018م
سلمت يداك ع المقال الرائع يا حبذا توضيح أكثر ما قاله الرجل الإثيوبي عن دور أمريكا في المنطقة
إعجابإعجاب