قال النبي ﷺ (تنقض عرى الإسلام عروة عروة أولها الحكم)
قال الفاروق عمر رضي الله عنه(سيأتي ناس يجادلونكم بشبهات القرآن فخذوهم بالسنن فإن أصحاب السُنن أعلم بكتاب الله)
روج أتباع علي عبدالرازق الجدد اليوم بين الجماعات والتيارات الإسلامية وفي الساحة السياسية والفكرية خطاب عبدالرازق القديم بمقولة (الإسلام لم يأت بنظام سياسي للحكم) وإنما جاء بمبادئ وقواعد عامة متجاهلين سيرة النبي ﷺ في إقامته للدولة للأمة ونظامها السياسي (الخلافة) القائم على مرجعية الشريعة وسيادة الأمة.
لقد عطل هؤلاء الدعاة الجدد بخطابهم هذا السنة وأحكامها والتي لا يمكن فهم النظام السياسي في الإسلام أصولا وممارسة إلا بها والتي بينها النبي ﷺ وأصحابه رضي الله عنهم مع إقامتهم للدولة في العهد النبوي وعهد الخلافة الراشدة ففيهما التطبيق العملي للنظام السياسي في الإسلام وهو ما تجاوزه هؤلاء بالرغم من حقائقه التاريخية في تطبيقه كنموذج للحكم بكل تفاصيله الشرعية والعملية لا كما يزعمون إنما هو مبادئ وقواعد عامة.
وزاد أصحاب هذا الخطاب الباطل بأن جعلوه منطلقا شرعيا للقبول بالديمقراطية الغربية التي نبتت في أروقة الفلاسفة اليونان وترعرعت في قصورالرومان، ليروجوا لهذا الخطاب كدليل شرعي ومطلب ثوري.
فلماذا هذا الترويج والتأصيل لهذا الخطاب بأن (الإسلام لم يأت بنظام سياسي للحكم) والترويج للديموقراطية الغربية في ظل الثورة وسعي الأمة لعودة حكم الإسلام والتحرر من كل أشكال التبعية والهيمنة الصليبية؟
إن هذا الخطاب والدعوة له لم تأت من فراغ ولم يبرز ولم يروج له إلا عندما واجهت التيارات والجماعات الإسلامية أزمة سياسية وفكرية بعد قيام الثورة العربية التي أحدثت هزة في فكرها التقليدي وترتيباتها وتفاهماتها السياسية منذ عقود مع النظام الدولي والنظام العربي كما في المغرب والجزائر والعراق ومصر واليمن والأردن والخليج وغيرها، لتجد هذه الجماعات نفسها بين تفاهمها التاريخي والتزامها السياسي مع النظام الدولي والنظام العربي وشعوب الأمة التي ثارت على هذه المنظومة الاستعمارية والاستبدادية.
ولهذا سارع أتباع علي عبدالرازق الجدد ببعث هذه الخطاب القديم لإنقاذ جماعاتهم وتياراتهم من السقوط الفكري والسياسي أمام ثورة الربيع العربي بمحاولة إعادة التأهيل الفكري والسياسي لهذا الجماعات والتيارات أمام شعوب الأمة وأمام أتباعها وفي نفس الوقت تحافظ على تفاهمها السياسي مع النظام الدولي والنظام العربي لتصبح بعد ذلك مشاركة هذه الجماعات والتيارات في الحلول السياسية التي طرحتها القوى الدولية باسم الديمقراطية في ساحات الثورة مقبولة وشرعية كما كانت قبل الثورة.
إن طبيعة النظام السياسي والحكم من أخطر القضايا التي تمس حياة الأمة ووجودها ولا يتصور أن ينزل التشريع في أبسط المسائل وتترك طبيعة النظام السياسي والحكم الخطيرة خاضعة للأهواء والتجاذب السياسي وللتنظير الإنساني ﴿الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا﴾.
إن هذا الخطاب السياسي لهؤلاء الدعاة الجدد والقول بأن (الإسلام لم يأت بنظام سياسي للحكم) ليس جديدا على الساحة العلمية والسياسية بل سبق لكبيرهم علي عبدالرازق أن طرحه ونظر له في كتابه “الإسلام وأصول الحكم” فقال فيه (وضمنه جملة ما اهتديت إليه شأن الخلافة ونظرية الحكم في الإسلام) ص4 وقرر في كتابه بالتأكيد على أنه (ليس القرآن وحده هو الذي أهمل تلك الخلافة ولم يتصدى لها بل السنة كالقرآن أيضًا قد تركتها ولم تتعرض لها)ص27 وانتقد العلماء العرب بإهــمالهم النـظر فـي كـتب الفـلاسفـة الـيونـان فقال (ما لهم أهملوا النظر في كتاب الجمهورية لأفلاطون Republicوكتاب السياسة politcis لأرسطو، وما لهم رضوا أن يتركوا المسلمين في جهالة مطبقة بمبادئ السياسة وأنواع الحكومات عند اليونان)ص36 وبل وذهب علي عبدالرازق إلى أبعد من ذلك بالقول بأنه (ليس بنا من حاجة إلى تلك الخلافة لأمور ديننا ولا لأمور دنيانا، ولو شئنا لقلنا أكثر من ذلك، فإنما كانت الخلافة ولم تزل نكبة على الإسلام وعلى المسلمين، وينبوع شر وفساد)ص50-51 وهو ما سار عليه أتباع علي عبدالرازق الجدد برفضهم للخلافة كنظام سياسي للحكم شرعه الله ورسوله ودعوتهم لجعل الديمقراطية اليونانية الغربية وعلومها السياسية مرجعية للأمة في الحكم والسياسة.
لقد واجه حينها خطاب علي عبدالرازق هيئة كبار العلماء برئاسة شيخ الأزهر محمد ابي الفضل وحضور أربعة وعشرين عالما منهم الشيخ محمد شاكر والشيخ محمد بخيت المطيعي رحمهم الله وقررت ثبوت التهم الموجهة له وشطب اسمه من سجلات الأزهر “انظر تفاصيل حكم هيئة كبار العلماء في كتاب الاسلام وأصول الحكم 12 أغسطس 1925م في مجلة المنار ج5 م26 ص363-382″.
وقد أكد الشيخ محمد رشيد رضا رحمه الله من أن ما يطرحه علي عبدالرازق هو (ردة صريحة لأنه نفى للدين من شطر الشريعة وهو الأحكام السياسية والقضائية وتعطيل له كما أشير إليه في حكم هيئة كبار العلماء) “المنار ج5 م26 ص380″ وقال أيضا (آرائه اشتملت الطعن في القرآن وفي النبي ﷺ وإهانة للمسلمين وللإسلام، أي ردة وخروجا من الملة)“المنار ج5 م26 ص386″ وأورد رحمه الله آراء بعض العلماء في (اشتمال كتاب علي عبدالرازق على الكفر الإلحاد وكتب بعضهم مقالات صرحوا فيها بالتكفير والردة كالشيخ محمد شاكر والشيخ يوسف الدجوي) “المنار ج5 م26 ص393″ وهذا ما حكم به علماء عصره على علي عبدالرازق وخطابه الباطل.
إن ما طرحه علي عبدالرازق في كتابه له دوافعه السياسية آنذاك عام 1924م فقد جاء خطابه في أخطر مرحلة مرت بها الأمة في تلك الفترة بعد سقوط الخلافة واحتلال بريطانيا وفرنسا للعالمين العربي والإسلامي، ففي نفس السنة التي صدر فيه كتاب عبدالرازق تم إلغاء الخلافة من قبل نظام أتاتورك تنفيذا لشروط كرزون وزير خارجية بريطانيا من إلغاء الخلافة وإقصاء الشريعة “انظر مذكرات محمد أمين الحسيني ص212″ ووصف الشيخ رشيد رضا فرح تركيا العلمانية بكتاب عبدالرازق (فرح به ملاحدة الترك وقرظوه وأثنوا على مؤلفه بل وترجموه للتركية ونشروه في جرائدهم الإلحادية لأنه جاء معززا لرفضه الشريعة الاسلامية والخلافة الصورية وتأسيسهم حكومة لا دينية) “المنار ج9 م29 ص717-718″، وفي نفس المرحلة تلك واجهت الاستعمار الصليبي ثورات كبرى في العراق وسوريا وليبيا ومصر ودعوات من العلماء والقادة لعودة الخلافة وإقامتها من جديد لذا واجه الاستعمار وخاصة البريطاني هذه الثورات والدعوات بالحملات العسكرية والفكرية كخطاب علي عبد الرازق.
ومن هنا تتشابه منطلقات خطاب أتباع علي عبد الرازق الجدد مع خطابهم كبيرهم في دوافعه السياسية وفي رعاتها، فخطاب عبدالرازق رعته بريطانيا في مصر وروجت له (كان الشيخ علي عبدالرازق مغرورا بأنصاره من الافرنج والمتفرنجين والملاحدة اللادينيين)“المنار ج5 م26 ص383″.
وكذلك خطاب أتباع عبدالرزاق الجدد بأن (الإسلام لم يأت بنظام سياسي للحكم) رعاه النظام الدولي لمواجهة الثورة بخطاب سياسي باسم الإسلام ليقطع الطريق على تحرر الأمة من الهيمنة الاستعمارية وعودة خلافتها كما فعل مع ثورات الشعوب من قبل في بداية القرن العشرين.
إن ما لم يدركه هؤلاء الدعاة الجدد ورعاتهم أن خطابهم هذا جاء في ظروف تختلف تماما عن الظروف التي طرح فيها عبدالرازق خطابه والذي جاء بعد هزيمة الأمة مباشرة في الحرب العالمية الأولى وسقوط خلافتها عسكريا قبل سقوطها سياسيا، في حين أن خطاب هؤلاء الدعاة الجدد جاء بعد نهوض شعوب الأمة بالثورة في العالم العربي والنهضة والتحرر في تركيا.
﴿وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ فَاحْكُم بَيْنَهُم بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ عَمَّا جَاءَكَ مِنَ الْحَقِّ لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا﴾
الأحد 23 ذو القعدة 1439هـ 5 / 8 / 2018م
رد شيخ الأزهر محمد الخضر حسين في كتابه ” نقض كتاب الإسلام و أصول الحكم” على شبهات كتاب عبد الرازق بضكل وافي و جلي .
إعجابإعجاب