الثورة العربية … من الرؤيا إلى التمكين!

من أعجب ما في سورة يوسف أنها سورة نزلت في العهد المكي وهو عهد كان النبي ﷺ وأصحابه مستضعفين في الأرض لتأتي سورة يوسف وبقصتها العظيمة من الرؤيا والبشارة إلى التمكين والملك لنبي الله يوسف عليه السلام لتواسيهم وتبشرهم بالنصر والتمكين في المستقبل بالرغم من أذى أهلهم والملأ من قبائلهم لهم مثلما تعرض له نبيه يوسف عليه السلام…

فيوسف عليه الصلاة السلام أراه الله طفلا رؤية تكشف مآل حاله عليه الصلاة والسلام ﴿إِذْ قَالَ يُوسُفُ لِأَبِيهِ يَا أَبَتِ إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَبًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِينَ﴾ ومع هذه الرؤيا العظيمة بدأت مسيرة يوسف عليه السلام الربانية لتكون شاهدا على مجريات سنن الله ﷻ في خلقه وعباده المستضعفين .

فيوسف عليه السلام وهو الذي تآمر عليه إخوته وألقوه في الجب ليلتقط ويباع مملوكا في مصر بعيدا عن دياره وأهله قال الله ﷻ بعد ذكر ذلك كله بالتفصيل ‏﴿وَكَذَٰلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الْأَرْضِ وَلِنُعَلِّمَهُ مِن تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ ۚ﴾ ليخبر الله ﷻ نبيه محمد ﷺ وأصحابه بأن ما أنتم فيه من الاستضعاف وتسلط مشركي قريش عليكم ليس بأسوأ من طفل نبذه أخوته وبيع مملوكا بلا حول ولا قوة وليذكرهم الله عز وجل بأنه يسوس أمر عباده ويدبّرهم ويحوطهم ﴿وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَىٰ أَمْرِهِ وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ﴾.

وبالرغم من شراء عزيز مصر ليوسف عليه السلام وتوصيته بإكرام مثواه ورعايته ليتخذه ولدا فقد تعرض يوسف عليه السلام مرة أخرى للتآمر والأذى وهذه المرة من ملأ القصور ليواجه فسادا أخلاقيا لكن الله عز وجل عصمه من هذا، ليشتد التآمر عليه ليصل معه إلى حد أن أصبح السجن أحب إلى يوسف عليه السلام من طاعة دعاة الفساد وليعلن يوسف من سجنه براءته من كفر هؤلاء القوم وفسادهم ﴿إِنِّي تَرَكْتُ مِلَّةَ قَوْمٍ لَّا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَهُم بِالْآخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ

وظهرت الرؤيا من جديد في حياة يوسف وهو في السجن مع صاحبيه ليفتح الله لعبده يوسف أمل النجاة مما هو فيه من شدة وكربة…

وفي تدبير رباني عظيم لعبده يوسف عليه السلام جاءت رؤيا صاحبيه في السجن ورؤيا الملك لتفتح الطريق أمام يوسف عليه السلام ليخرج بريئا مما اتهم به وسجن بسببه وليصل إلى الملك والتمكين بإبراز موهبته في الحكم وحسن النظر والإدارة والتأويل للرؤى واستشراف المستقبل بها ومعرفة مآلات الأمور وحسن التخطيط لها ليعلن ملك مصر بأن يوسف أصبح العزيز الجديد لمصر ‏﴿وَقَالَ الْمَلِكُ ائْتُونِي بِهِ أَسْتَخْلِصْهُ لِنَفْسِي ۖ فَلَمَّا كَلَّمَهُ قَالَ إِنَّكَ الْيَوْمَ لَدَيْنَا مَكِينٌ أَمِينٌ﴾ وليؤكد الله عز وجل مرة أخرى لعباده المؤمنين المستضعفين بأن التمكين الذي بشر به يوسف من قبل ها هو يتحقق وعلى يد من من لا يؤمن بالله ﴿وَكَذَٰلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الْأَرْضِ يَتَبَوَّأُ مِنْهَا حَيْثُ يَشَاءُ ۚ نُصِيبُ بِرَحْمَتِنَا مَن نَّشَاءُ ۖ وَلَا نُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ﴾ لينبه الله عز وجل نبيه محمد ﷺ وأصحابه بأن ما أنتم عليه من استضعاف سيتحول يوما إلى تمكين وملك للأرض على أيديكم وسيؤمن أحفاد هؤلاء الذين يستضعفونكم ليتحقق ما رجاه النبي ‏ﷺ ﴿بل أرجو أن يخرج الله من أصلابهم من يعبد الله وحده، لا يشرك به شيئا ﴾ وهذا ما حدث بعد ذلك بالفعل…

إن تدبر قصة يوسف عليه الصلاة السلام من الرؤيا إلى التمكين هو من أشد ما تحتاجه قوى ثورة الأمة اليوم مع ما نراه من تراجع لها وتعاظم تآمر القوى الدولية والثورة المضادة وسريان روح من الإحباط واليأس بين قوى الثورة وهو مما حذر منه نبي الله يعقوب عليه الصلاة والسلام والذي آمن برؤيا يوسف الأولى فقال في السورة نفسها ‏﴿وَلَا تَيْأَسُوا مِن رَّوْحِ اللَّهِ ۖ إِنَّهُ لَا يَيْأَسُ مِن رَّوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ﴾

لقد جعل الله ﷻ في هذه السورة العظيمة للأمة منذ العهد المكي وقبل قيام دولة الإسلام منهجا إيمانيا لها تسير عليه في كل عصر فسنن الله عز وجل لا تتخلف ولا تتغير…

كما أبقى الله عز وجل للأمة الرؤيا الصالحة كجزء من النبوة كما في الحديث في الصحيحين ﴿الرُّؤْيَا الصَّالِحَةُ جُزْءٌ مِنْ سِتَّةٍ وَأَرْبَعِينَ جُزْءًا مِنْ النُّبُوَّةِ ﴾ لتستهدي بها كما استهدى بها النبي ﷺ من قبل ففي الصحيحين عن سمرة بن جندب قال(كان النبي ﷺ إذا صلى الصبح أقبل عليهم بوجهه فقال: هل رأى أحد منكم البارحة رؤيا)…

وبعد بيان الله عز وجل لدور الرؤيا وسنة التمكين في قصة يوسف العظيمة أكد الله عز وجل لعباده بأن ما تعرض له يوسف إنما هو من سننه في رسله وعباده ﴿حَتَّىٰ إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا جَاءَهُمْ نَصْرُنَا فَنُجِّيَ مَن نَّشَاءُ ۖ وَلَا يُرَدُّ بَأْسُنَا عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ﴾ فلا يلتفتون لصولة أهل الباطل والإجرام فإنه مع الشدة والزلزلة يأتي النصر والتمكين…

الجمعة 13 ذو الحجة 1439هـ

24 / 8 / 2018م

اترك تعليقًا

إملأ الحقول أدناه بالمعلومات المناسبة أو إضغط على إحدى الأيقونات لتسجيل الدخول:

شعار ووردبريس.كوم

أنت تعلق بإستخدام حساب WordPress.com. تسجيل خروج   /  تغيير )

Facebook photo

أنت تعلق بإستخدام حساب Facebook. تسجيل خروج   /  تغيير )

Connecting to %s

إنشاء موقع إلكتروني أو مدونة على ووردبريس.كوم قالب: Baskerville 2 بواسطة Anders Noren.

أعلى ↑

%d مدونون معجبون بهذه: