الخلافة…أصل شرعي وحقيقة تاريخية!

(ثُمَّ تَكُونُ خِلَافَةٌ عَلَى مِنْهَاجِ النُّبُوَّةِ)حديث نبوي


منذ العهد المكي والنبي ﷺ يسعى في طلب النصرة من القبائل في كل موسم حج لنصرته ولإقامة دولة الإسلام والذي بدأ تكوينها في هذا العهد مع قبيلتي الأوس والخزرج في بيعتي العقبة الأولى والثانية…

لقد أدركت القبائل العربية التي دعاها النبي ﷺ لإقامة الدولة مدى خطورة دعوته لهم بالنصرة وإقامة الدولة على واقعها السياسي ولهذا قال له وفد بني شيبان (إِنَّمَا نَزَلْنَا عَلَى عَهْدٍ أَخَذَهُ عَلَيْنَا كِسْرَى لا نُحْدِثُ حَدَثًا وَلا نُئْوِي مُحْدِثًا ، وَإِنِّي أَرَى هَذَا الأَمْرَ الَّذِي تَدْعُو إِلَيْهِ مِمَّا تَكْرَهُهُ الْمُلُوكُ)

وقال له وفد بني عامر بن صعصعة(أَرَأَيْتَ إنْ نَحْنُ بَايَعْنَاكَ عَلَى أَمْرِكَ، ثُمَّ أَظْهَرَكَ اللَّهُ عَلَى مَنْ خَالَفَكَ، أَيَكُونُ لَنَا الْأَمْرُ مِنْ بَعْدِكَ؟ قَالَ ﷺ “الْأَمْرُ إلَى اللَّهِ يَضَعُهُ حَيْثُ يَشَاءُ“، قَالَ: فَقَالَ لَهُ: أَفَتُهْدَفُ نَحُورُنَا لِلْعَرَبِ دُونَكَ، فَإِذَا أَظْهَرَكَ اللَّهُ كَانَ الْأَمْرُ لِغَيْرِنَا! لَا حَاجَةَ لَنَا بِأَمْرِكَ، فَأَبَوْا عَلَيْهِ) فانظر لعمق فهم وفود القبائل العربية لدعوة النبي ﷺ للنصرة وإقامة الدولة بالرغم من جاهليتهم…

وتعجب من تلاميذ علي عبدالرازق الجدد ودعاة الديمقراطية والدولة القطرية الوطنية بالرغم من إسلامهم يدَّعون بأن الإسلام لم يأت بنظام سياسي وإنما جاء بمبادئ وقواعد عامة ولم ينص القرآن على الخلافة ولا على شكل الدولة ولا على النظام السياسي في الإسلام وكأن كل هذه السيرة الشريفة بعهديها المكي والمدني على وضوحها والتاريخ العظيم للخلافة كدولة حكمت الأمة ثلاثة عشر قرنا قد جرت ووقعت في كوكب آخر…

هذا القول الباطل لتلامذة الاستشراق الصليبي لو قبلناه كحكم وقاعدة نقيس عليها لانسحب هذا القول على الصلاة والزكاة والحج ولهدم الإسلام دينا ودولة…

فوجوب الصلاة والزكاة والحج نص عليه في القرآن وجاءت السنة الشريفة للنبي ﷺ لتوضح أحكامها وكيفيتها…

وكذلك الخلافة كنظام سياسي في الإسلام جاءت أصولها ومبادئها أكثر ذكرا وتفصيلا من الصلاة والزكاة والحج في القرآن كالحرية والشورى والعدل والوحدة وتحكيم الشريعة وأداء الأمانة والوفاء بالعقود والطاعة والمحاسبة والمراقبة والولاء والبراء والعلاقات الدولية والجهاد والتوزيع العادل للثروة ومحاربة الظلم والطغيان والفساد وحماية الدين والمجتمع وحقوق الإنسان…

وفي ظل هذه الأصول القرآنية الجلية جاءت سيرة النبي ﷺ بسننه القولية والفعلية وسنن الخلفاء الراشدين لتطبق هذه الأصول في دولة النبوة ودولة الخلافة الراشدة ليقوم النظام السياسي في الإسلام على هذه الأصول القرآنية وتظهر معالمه وأصوله وأدواته على أحسن ترتيب وأوضح بيان كما في الحديث (قَدْ تَرَكْتُكُمْ عَلَى الْبَيْضَاءِ ، لَيْلُهَا كَنَهَارِهَا ، لَا يَزِيغُ عَنْهَا بَعْدِي إِلَّا هَالِكٌ ، مَنْ يَعِشْ مِنْكُمْ فَسَيَرَى اخْتِلَافًا كَثِيرًا ، فَعَلَيْكُمْ بِمَا عَرَفْتُمْ مِنْ سُنَّتِي ، وَسُنَّةِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ الْمَهْدِيِّينَ ، عَضُّوا عَلَيْهَا بِالنَّوَاجِذِ)

فالخلافة جزء من دين الله عز وجل بأصولها القرآنية وأحكامها وسننها النبوية والراشدة والقول بغير ذلك خاصة في ظل الثورة العربية وسعي الأمة للتحرر من الاحتلال الصليبي إنما هو قول صنع في مراكز الاستشراق الصليبي منذ أن تول كبر إعلانه علي عبدالرازق في السنة التي أعلن فيها إلغاء الخلافة عام 1924م تنفيذا لشرط اللورد كرزون وزير خارجية بريطانيا ليأتي عبدالرازق بعمامته الأزهرية ليسوغ إلغاء الخلافة من القاهرة تحت رماح الاحتلال البريطاني…

واليوم جاء تلامذته الجدد بعد قرن ليجددوا دعوته تحت رعاية الاحتلال الأمريكي لمواجهة ما يقوم به علماء الأمة من توعية الشعوب الثائرة وتوجيهها نحو إعادة إحياء الخلافة الإسلامية من جديد كنظام سياسي يوحد الأمة ويحميها ويحمي دينها من أعداء الأمة والذي هو من أوجب الواجبات بعد الإيمان بالله عز وجل كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية (لا شي أوجب بعد الإيمان بالله من دفع العدو الصائل) “الاختيارات الفقهية ص309” ولا يمكن دفع العدو الصائل في ظل دول قطرية ودعوات وطنية وقومية كما يدعو له ورثة علي عبد الرازق…

الخميس 3 محرم 1440هـ

13 / 9 / 2018م

اترك تعليقًا

إملأ الحقول أدناه بالمعلومات المناسبة أو إضغط على إحدى الأيقونات لتسجيل الدخول:

شعار ووردبريس.كوم

أنت تعلق بإستخدام حساب WordPress.com. تسجيل خروج   /  تغيير )

Facebook photo

أنت تعلق بإستخدام حساب Facebook. تسجيل خروج   /  تغيير )

Connecting to %s

إنشاء موقع إلكتروني أو مدونة على ووردبريس.كوم قالب: Baskerville 2 بواسطة Anders Noren.

أعلى ↑

%d مدونون معجبون بهذه: