في يوم 26 / 7 / 2018م وفي جنوب أفريقيا بعد سنوات من تحررها من النظام العنصري الغربي عقدت قمة مجموعة البريكس (روسيا والصين والبرازيل والهند وجنوب أفريقيا) لوضع الأسس الإقتصادية لنظام إقتصادي جديد للقرن الواحد والعشرين ولذا دعت المجموعة ولأول مرة تركيا للمشاركة في هذه القمة تمهيدا لقبولها في المجموعة بعد تقدم تركيا بطلب للانضمام للمجموعة.
لقد أدرك العالم بعد الثورة العربية أن النظام الدولي الذي تهيمن عليه أمريكا وأوربا منذ سقوط الخلافة قد اهتز وبدأ يتداعى مع بداية انهيار السيطرة الغربية على منطقة الشرق الأوسط بفعل الثورة العربية واستمرارها لثمانية أعوام أسقطت فيه أعمدة النظام العربي الوظيفي، ومع نجاح المقاومة التركية في إفشال مخططات التآمر الأمريكي والغربي عليها من دعم المنظمات الإرهابية إلى محاولة الانقلاب العسكري الفاشلة لضرب نهضتها ومنعها من التحرر.
ولهذا سارعت مجموعة البريكس إلى دعوة تركيا للمشاركة في القمة العاشرة لها لإدراكها بأن تركيا قد تهيأت سياسيا وإقتصاديا لتلعب دورا إستراتيجيا في بناء المنظومة الإقتصادية العالمية من جديد.
ولقد أدركت أمريكا إن إنضمام تركيا بوزنها الجيوسياسي والإقتصادي لمجموعة البريكس في الوقت الذي تواجه فيه الثورة العربية سيكون ضربة هائلة لأمريكا ونفوذها في العالم العربي والشرق الأوسط وخروجها من المنطقة للأبد.
ولذا سارعت أمريكا بعد إنتهاء قمة البريكس إلى استغلال ورقة القس الأمريكي المحتجز بقضايا تجسس منذ عامين لتطلق حربها على تركيا بعقوبات إقتصادية ومضاربات على الليرة التركية لتوقف تحرر تركيا من هيمنتها ولترسل رسالة لمجموعة البريكس بأن أمريكا لن تقبل تمدد هذه المجموعة إلى الشرق الأوسط قلب النظام الدولي سياسيا وإقتصاديا.
إن الحرب الأمريكية على تركيا لها أبعاد عميقة وبعيدة لكون التحالف الأمريكي التركي هو قلب الإستراتيجية الأمريكية في الشرق الأوسط منذ الحرب العالمية الثانية كما عبر عن ذلك ماثيو بريزا المسئول الأسبق للشئون التركية في الخارجية الأمريكية في مقاله في الواشنطن بوست بعنوان معبر (أمريكا لن تتحمل خسارة تركيا)https://tinyurl.com/yckpyhdj ، ولهذا فواشنطن اليوم في أزمة إستراتيجية حقيقية لا تستطيع الخروج منها مع تحرر تركيا من هذه الهيمنة وانهيار النظام العربي الوظيفي بفعل الثورة العربية…
ومنذ اليوم الأول من إطلاق أمريكا حربها الإقتصادية على تركيا خسرت أمريكا المعركة إعلاميا وسياسيا بسبب رد فعل شعوب الأمة بالوقوف والتضامن مع الشعب التركي وبسبب الإرادة السياسية الصلبة للرئيس أردوغان ورفضه القاطع للابتزاز السياسي الأمريكي، لتتفاجأ أمريكا بالنتائج العكسية لحربها الإقتصادية ترتد عليها وعلى نفوذها في المنطقة ﴿وَقَدْ مَكَرُوا مَكْرَهُمْ وَعِندَ اللَّهِ مَكْرُهُمْ وَإِن كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبَالُ﴾ ليحقق الله للأمة بمكره عز وجل بأعدائها من الوحدة والتضامن فيما بينها ما لم تحققه بتدبيرها وقوتها وفي وقت تسعى أمريكا فيه إلى إنهاء ثورتها وتحررها ومنع تضامنها ووحدة صفها ليتجلى حفظ الله لأمة نبيه ﷺ في أخطر مرحلة تاريخية تمر بها.
ومن نتائج هذا المكر الرباني بأعداء الأمة هو وصول العالم إلى قناعة تامة بمدى خطورة الهيمنة الأمريكية على الإقتصاد العالمي واستخدام الدولار كسلاح وليس كعملة عالمية للتداول والتجارة الدولية مما هز أركان النظام الإقتصادي الدولي القائم على الربا ليتحقق بذلك وعيد الله عز وجل بمحق الربا بيد أربابه أنفسهم ﴿يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ﴾ لتتحول هذه الحرب الإقتصادية الأمريكية إلى وبال على منظومتها الرأسمالية الربوية وهيمنتها العالمية.
إن ما يحدث في العالم اليوم من تحولات تاريخية على المستوى السياسي والإقتصادي ما هو إلا نتيجة لثورة الأمة وسعيها للتحرر والعودة لدينها لتبدأ معه مرحلة العودة لصدارة العالم سياسيا وإقتصاديا كما كانت من قبل.
فالأمة هي الوحيدة اليوم على وجه الأرض القادرة على إنهاء الهيمنة الغربية الاستعمارية المستمرة من أربعة قرون والمؤهلة لهذا الدور التاريخي بإسلامها العظيم وتاريخها المجيد وهو الدور الذي كلفها الله به ﴿كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ﴾ ومن أعظم خيريتها اليوم على أمم الأرض هو فتحها ثغرة في سد النظام الدولي الاستعماري لينفتح الطريق أمام طوفان الإسلام ليملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت جوراً وظلماً.
الجمعة 5 ذو الحجة 1439هـ
17 / 8 / 2018م
سيف الهاجري 
اترك تعليقًا