الجزائر… ويقظة الثورة!
قال الله تعالى ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا خُذُوا حِذْرَكُمْ﴾
مع تفجر الحراك الشعبي في السودان والجزائر عادت ثورة الربيع العربي في موجتها الثانية إلى واجهة الأحداث من جديد بعد أن ظن الجميع من قوى دولية احتلالية وأنظمة استبدادية وجماعات وظيفية أن الربيع العربي قد انتهى بما انتهى إليه، وبدأ الجميع يعيد حساباته السياسية بما يتناسب مع المرحلة الجديدة التي تشرف عليها أمريكا وفق ترتيبات صفقة القرن والتي بدأت بعرضها على مجلس الأمن تمهيدا لإطلاقها في أبريل 2019م بعد الانتخابات الإسرائيلية! https://tinyurl.com/yyecre67
ومع انطلاق الموجة الثانية من ثورة الربيع العربي في السودان والجزائر فإن أهم معركة تواجهها شعوب الأمة اليوم هي معركة الوعي سياسيا وثوريا بما يحاك لها في الغرف الدولية والإقليمية المشتركة ومدى قدرة الشعوب وقوى الثورة الحرة على استيعاب تجارب الثورة في الموجة الأولى وما تعرضت له من اختراق وتوظيف دولي وإقليمي لجماعات إسلامية وأحزاب ليبرالية ظنت الشعوب أنها مع الثورة وإذا هي تتفاهم مع النظام الدولي والعربي وفق تحالفاته وتفاهماته التاريخية لتؤدي دورها الشعبي في احتواء أي حراك أو تغيير كما هو مرسوم لها منذ عقود إن لم يكن منذ نشأتها!
لقد خاضت شعوب الأمة الثائرة بفضل الله عز وجل تجربة ثورية عظيمة في الموجة الأولى من ثورة الربيع العربي لا تقدر بثمن وفي زمن قصير لا يتعدى بضع سنوات لينكشف لها طبيعة الدولة العربية والمنظومة الوظيفية التي تحكمها بشقيها الرسمي (الأنظمة) والشعبي (الجماعات والأحزاب) ومدى عمق الفساد السياسي الذي ضرب بجذوره في أعماق هذه المنظومة الوظيفية!
ولعله لا يختلف اثنان على وظيفية الدولة العربية القطرية وتبعيتها للقوى الاستعمارية التي أسستها بعد إسقاطها للخلافة العثمانية الإسلامية بعد الحرب العالمية الأولى، لكن انكشاف وظيفية الجماعات والأحزاب الإسلامية منها والقومية والليبرالية هو الجديد الذي انفضح للشعوب الثائرة، وظهر أثر هذه الجماعات والأحزاب الوظيفية الخطير على الثورة من الداخل بتسليمها حصون الثورة لقوى الثورة المضادة وبرعاية دولية!
* ففي تونس والتي انطلق منها الربيع العربي لعبت حركة النهضة الإسلامية دورا وظيفيا بامتياز لاحتواء الثورة وتأهيل عودة نظام ابن علي من جديد باسم الثورة والدستور!
ففي 15 / 8 / 2013م أي مع بداية موجة الثورة المضادة التقى رئيس حركة النهضة في باريس مع الباجي السبسي رئيس حزب النداء وبرعاية فرنسية (انظر مقال لقاء باريس :الدروس والتحديات والآفاق بقلم : راشد الغنوشي رئيس حركة النهضة https://tinyurl.com/yb9k7snp )، وتم في هذا اللقاء الاتفاق على تقاسم السلطة واختيار السبسي رجل بورقيبة وابن علي ليكون رئيسا لتونس في انتخابات 2014م ليمهد هذا اللقاء للعملية السياسية التي أعادت رجال النظام السابق للحكم وأخرجت قوى الثورة من المشهد السياسي! ولتبقى تونس تحت الوصاية الفرنسية والدولية، وقد كشف تفاصيل الدور الوظيفي للقوى والجماعات والدور الذي لعبه السفير الأمريكي الرئيس الأسبق المنصف المرزوقي في شهادته التاريخية في برنامج (شاهد على العصر) على قناة الجزيرة، وقد وصف الرئيس التونسي الأسبق المنصف المرزوقي في “برنامج شاهد على العصر ح24″ لقاء النهضة ونداء تونس بأنه اللقاء (الذي تقرر فيه كل شي) وقال أيضا كاشفا الدور الأمريكي في المشهد التونسي (في 6 /12 / 2014م وقع آخر اجتماع بين الغنوشي والسبسي في دار تونسي أمريكي مع السفير الأمريكي ويبدو أنه رتب كل شيء)، وبهذه اللقاءات السرية الخطيرة مهدت أمريكا وفرنسا الطريق لتغيير المشهد السياسي في تونس ليتم احتواء الثورة باسم الديمقراطية والدستور بعد أن تم إقراره بإشراف مجلس أوربا ومركز كارتر الأمريكي ” https://tinyurl.com/yclusor5 ”
* وفي اليمن ومع قيام الشعب بالثورة على نظام علي صالح تصدر المشهد السياسي للثورة تكتل أحزاب اللقاء المشترك اليمني (التجمع اليمني للإصلاح والحزب الإشتراكي والتنظيم الناصري وحزب البعث) – تأسس عام 2003م وشارك في البرلمان والانتخابات الرئاسية تحت ظل نظام علي صالح- في محاولة من القوى الدولية لاحتواء الثورة بالوجه الشعبي للنظام العربي وهذا ما حدث فعلا…
فجاءت المبادرة الخليجية لتفتح الطريق للقوى الشعبية الوظيفية من تكتل اللقاء المشترك إلى جماعة الحوثي للمشاركة في العملية السياسية بعد تنحي علي صالح وتولي نائبه عبد ربه منصور هادي وباسم الثورة التي بدأ قمعها في الميادين والمدن وتشكل التحالف العربي لضرب الثورة في اليمن تحت شعار مواجهة النفوذ الإيراني في اليمن!
وقد أشرفت أمريكا على الترتيبات السياسية والعسكرية في اليمن لقطع الطريق على الثورة ووأدها بأدوات وظيفية محلية من جماعات وأحزاب، ففي الوقت الذي يمهد الطيران الأمريكي بدون طيار الطريق لجماعة الحوثي – أداة الثورة المضادة – بقصف قوى الثورة والمجاهدين يقوم رئيس التجمع اليمني للإصلاح محمد اليدومي بمنح السفير الأمريكي درع الإصلاح لقاء رعايته للترتيبات السياسية في اليمن والتي بها تم احتواء الثورة https://tinyurl.com/yxof5mxf ، ليدخل الحوثي صنعاء بدعم خليجي وترتيب أمريكي ليتم إخراج القوى الوظيفية من أحزاب اللقاء المشترك وغيرها من المشهد السياسي بعد انتهاء دورهم الوظيفي!
* وفي سوريا ومع خروج الشعب السوري في تظاهرات سلمية وقبل تحول الثورة لثورة مسلحة سارع السفير الأمريكي في دمشق روبرت ستيفن فورد في الأشهر الأولى بدعوة قوى معارضة إسلامية وليبرالية لاجتماع في دمشق وبرعايته! للتوصل لحل سياسي مع نظام الأسد لكن هذه القوى نفسها تفاجأت بالثورة وقد عرض السفير الأمريكي شروط أمريكا للحل السياسي في سوريا وهي المحافظة على الجيش والمؤسسات الأمنية وبقاء نظام الأسد ومشاركته السلطة من قبل قوى المعارضة والمحافظة على حدود اتفاقية سايكس بيكو والحدود مع إسرائيل، وهذه الشروط هي التي لا زالت تحكم التفاهمات والترتيبات الدولية للمشهد السياسي في سوريا.
وبناء على هذه الترتيبات الدولية تشكل المجلس الوطني السوري في عام 2011م والذي يشكل الإسلاميون منه ما يقارب الثلثين وتحول بعد ذلك في عام 2012م ليصبح الائتلاف الوطني للمعارضة السورية كممثل للثورة السورية معترف به دوليا ومدعوم خليجيا!
ومن خلال هذا الائتلاف الوطني والذي قبل بالمحتل الروسي كضامن احتوت القوى الدولية والأنظمة الوظيفية المشهد السياسي للثورة السورية في محادثات جنيف وموسكو والتي جلس فيها ممثلو ائتلاف المعارضة مع ممثلي نظام الأسد وتم طرح مشروع تقاسم السلطة في فترة انتقالية، وطرح هذا منذ الأيام الأولى للثورة (ففي منتصف عام 2011، تلقت سوريا من قطر والإمارات عروضا تضمنت اقتراحات إماراتية منسقة مع الولايات المتحدة بقيام الإمارات بدفع مبالغ تتجاوز 10 مليار دولار لتحديث الاقتصاد السوري والقيام بإصلاحات سياسية وإعادة العلاقات مع ايران وحزب الله إلى حجمها الطبيعي والتعهد الخليجي بدفع عملية السلام مع إسرائيل، وأما المقترح القطري فكان يتمثل بعودة الحركة الإسلامية لسورية وتقاسم السلطة مع حزب البعث) ” انظر مقال: عن صديق والدي: تلاعب إيران ببشار الأسد للدبلوماسي السوري بسام بربندي والمحامي الدولي تايلور جيس تومبسون ، وبهذه الأدوات الوظيفية من أنظمة وجماعات تحقق القوى الدولية أهدافها وشروطها التي كشفها السفير الأمريكي، فبدلا من أن يصبح الحل في يد الشعب السوري الثائر أصبح الحل في عواصم القوى الدولية التي تحتل المنطقة!
*وفي ليبيا ومن خلال المبادرة الدولية وبرعاية المبعوث الدولي تم التدخل في المشهد السياسي الثوري بعد دعم الثورة المضادة للجنرال حفتر القادم من أمريكا ليتولى قيادة مليشيات الثورة المضادة والنظام السابق!
ومهد المبعوث الدولي للمبادرة الدولية بترتيبات سياسية في ليبيا وتم تأسيس مجلس رئاسي كبديل عن مؤتمر الثورة وبمشاركة جماعات وأحزاب إسلامية كحزب العدالة والبناء في الوقت نفسه تم إخراج كل من عارض هذه الترتيبات الدولية من ليبيا من قيادات قوى الثورة والعلماء وعلى رأسهم الشيخ المفتي الصادق الغرياني لتبقى الهيمنة الغربية على ليبيا!
وبالرغم من إسقاط الثورة لنظام القذافي فلا زال الدور الوظيفي للحركة الإسلامية في ليبيا مستمرا منذ أن قبلت بالتفاهم مع سيف الإسلام القذافي في عام 2006م وفق مبادرة (معا من أجل ليبيا الغد) “https://tinyurl.com/ybrof9ys “، ليأتوا اليوم وباسم الثورة ليمارسوا نفس الدور الوظيفي وإنما مع القوى الدولية والمبعوث الدولي هذه المرة!
* وفي مصر ومع قيام الثورة في 25 يناير 2011م حرص المجلس العسكري الذي تولى السلطة بعد عزل مبارك على استمرار التفاهمات التي بين الحركة ونظام مبارك – والذي نتج عنها مشاركة الحركة الإسلامية في الانتخابات البرلمانية لمجلس الشعب لعام 1984م بالتحالف مع حزب الوفد وفي مجلس عام 1987م تحت مسمي التحالف الإسلامي مع حزب العمل وحزب الأحرار وفي مجالس 1995م و2000م بالنظام الفردي وفي مجلس 2005م شاركت الحركة الإسلامية بثمانين نائبا، وقد أيدت إعادة ترشح مبارك للرئاسة مرارا، وقبلت قبل الثورة بترشح ابنه جمال للرئاسة – فاستمرار هذه التفاهمات ستمكن المجلس العسكري من إدارة المشهد السياسي واحتوائه وضبطه في ظل الثورة بما يحافظ على سلطة المؤسسة العسكرية والأمنية وبواجهة ثورية وإسلامية والتي قامت بالفعل بالدور الوظيفي الذي أوكل إليها بحماية المجلس العسكري والداخلية وأمن الدولة في أحداث العباسية ومحمد محمود!
ولم تكن تلك التفاهمات ببعيدة عن الراعي الأمريكي ففي يناير 2012م كانت هناك محادثات على مستوى عال غير معلنة لعدة أسابيع بين الإدارة الأمريكية وحزب العدالة والتنمية “كتاب من داخل الإخوان المسلمين يوسف ندا مع دوجلاس تومسون- ص 214 دار الشروق ” في الوقت الذي تستعد فيه مصر لأول انتخابات حرة في ظل الثورة، وقد استطاعت أمريكا بهذه التفاهمات والترتيبات ومن خلال سفيرتها آن باترسون وتواصلها الدوري مع الجماعات والأحزاب الإسلامية على احتواء المشهد السياسي وتوجيهه إلى درجة أنها تشكل الحكومة ومن يرأسها وهو ما أكده د. يونس مخيون رئيس حزب النور من أن (السفيرة الأمريكية آن باترسون اتصلت بى وطلبت دعمنا فى ترشيح البرادعى لتولى رئاسة الوزراء ولكننا رفضنا ذلك) ” https://tinyurl.com/y7szwtwy ” وعندما تهيأت قوى الثورة المضادة لانقلاب 2013م قلب المجلس العسكري ظهر المجن بضوء أخضر أمريكي لتفاهماته مع حزب العدالة والتنمية وبدعم من الأزهر والكنيسة القبطية وحزب النور ليتكرر مشهد الانقلاب العسكري الجزائري 1992 في القاهرة لكنه بشكل معكوس هذه المرة ليتساوى الجميع في التوظيف والاحتواء!
إن تكرر مشهد الاحتواء والتوظيف للقوى والجماعات في كل ساحات الثورة يؤكد أنها جزء من النظام العربي الوظيفي نفسه والدولة الوظيفية التي تخضع للاحتلال الغربي، ولن تتخلى هذه القوى الوظيفية عنه حتى ينهار كليا، ولهذا ستواجهه الجماهير الثائرة في السودان والجزائر العقبة نفسها التي تتمثل في هذا الطوق الشعبي الذي فرض عليها بهذه الجماعات الوظيفية، وستقدم الأنظمة تنازلات سياسية كما فعل بوتفليقة في الجزائر ظاهرها القبول بالمطالب الشعبية لكنها ممارسات متكررة في كل مشهد ثوري لتفتح الطريق للقوى والجماعات الوظيفية الإسلامية والعلمانية لتؤدي دورها الوظيفي في احتواء الثورة والحراك الشعبي لتكتشف الشعوب بأن شعارها بإسقاط النظام وتغييره قد تم خطفه من قبل النظام نفسه وأدواته الوظيفية…
والأخطر من ذلك كله هو أن هذه التفاهمات بين الأنظمة والجماعات هي برعاية القوى الدولية نفسها وتعقد في عواصمها وتحت نظرها وإدارة سفرائها في أوطاننا التي لم تخرج من همينة ونفوذ الاحتلال الغربي منذ سقوط الخلافة العثمانية الإسلامية…
هذه هي الحقائق التاريخية والتي لازلنا نعيش أحداثها وتداعياتها ولنتذكر حديث النبي صلى الله عليه وسلم (لا يُلْدَغُ المؤمِنُ مِن جُحْرٍ مَرّتَين)؟
سيف الهاجري
الأربعاء 6 رجب 1440هـ
13 / 3 / 2019م
اترك تعليقًا