رمضان…الثورة والعدل ونصرة المظلوم!

رمضان…الثورة والعدل ونصرة المظلوم!

عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ” ثَلَاثَةٌ لَا تُرَدُّ دَعْوَتُهُمْ: الصَّائِمُ حَتَّى يُفْطِرَ، وَالإِمَامُ العَادِلُ، وَدَعْوَةُ المَظْلُومِ يَرْفَعُهَا اللَّهُ فَوْقَ الغَمَامِ وَيَفْتَحُ لَهَا أَبْوَابَ السَّمَاءِ وَيَقُولُ الرَّبُّ: وَعِزَّتِي لَأَنْصُرَنَّكِ وَلَوْ بَعْدَ حِينٍ “

حديث عظيم قرن فيه النبي ﷺ بين الصوم والإمامة العادلة ونصرة المظلوم، وارتبط تاريخ الإسلام بهذا المعنى وتجلى في أول معركة فيه (معركة بدر) والتي دارت أحداثها في السابع عشر من رمضان وتجلى في نتائجها واجتمع فيها معنى هذا الحدث العظيم فالنبي ﷺ أعدل البشر في قيادة الصحابة الذين ظلموهم كفار قريش وعذبوهم فنصرهم الله بعد سنوات في هذه المعركة التاريخية في رمضان…

فاستجاب الله لنبيه ﷺ وهو الإمام العادل وهو يدعو ربه «اللهُمَّ أَنْجِزْ لِي مَا وَعَدْتَنِي، اللهُمَّ آتِ مَا وَعَدْتَنِي، اللهُمَّ إِنْ تُهْلِكْ هَذِهِ الْعِصَابَةَ مِنْ أَهْلِ الْإِسْلَامِ لَا تُعْبَدْ فِي الْأَرْضِ»، فَمَا زَالَ يَهْتِفُ بِرَبِّهِ، مَادًّا يَدَيْهِ مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ، حَتَّى سَقَطَ رِدَاؤُهُ عَنْ مَنْكِبَيْهِ، فَأَتَاهُ أَبُو بَكْرٍ فَأَخَذَ رِدَاءَهُ، فَأَلْقَاهُ عَلَى مَنْكِبَيْهِ، ثُمَّ الْتَزَمَهُ مِنْ وَرَائِهِ، وَقَالَ: يَا نَبِيَّ اللهِ، كَفَاكَ مُنَاشَدَتُكَ رَبَّكَ، فَإِنَّهُ سَيُنْجِزُ لَكَ مَا وَعَدَكَ، فَأَنْزَلَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ ‏﴿إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُرْدِفِينَ﴾ والصحابة رضوان الله أجمعين يدعون في هذا اليوم العظيم طلبا للنصر من الله عز وجل فأنزل الله نصره على هذه العصابة المؤمنة فسقطت رؤوس الكفر التي لا طالما بطرت وتجبرت وحالت بين الناس وبين الإسلام ونوره وهداه وعدله فمكن الله عز وجل منهم فألقوا في قليب بدر وفي مقدمتهم فرعون هذه الأمة أبا جهل عمرو بن هشام…

وقد روى البخاري رحمه الله مشهد وقوف النبي ﷺ ومخاطبته لقتلى بدر من كفار قريش (عَنْ قَتَادَةَ، قَالَ: ذَكَرَ لَنَا أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ، عَنْ أَبِي طَلْحَةَ، أَنَّ نَبِيَّ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَ يَوْمَ بَدْرٍ بِأَرْبَعَةٍ وَعِشْرِينَ رَجُلًا مِنْ صَنَادِيدِ قُرَيْشٍ، فَقُذِفُوا فِي طَوِيٍّ مِنْ أَطْوَاءِ بَدْرٍ خَبِيثٍ مُخْبِثٍ، وَكَانَ إِذَا ظَهَرَ عَلَى قَوْمٍ أَقَامَ بِالعَرْصَةِ ثَلاَثَ لَيَالٍ، فَلَمَّا كَانَ بِبَدْرٍ اليَوْمَ الثَّالِثَ أَمَرَ بِرَاحِلَتِهِ فَشُدَّ عَلَيْهَا رَحْلُهَا، ثُمَّ مَشَى وَاتَّبَعَهُ أَصْحَابُهُ، وَقَالُوا: مَا نُرَى يَنْطَلِقُ إِلَّا لِبَعْضِ حَاجَتِهِ، حَتَّى قَامَ عَلَى شَفَةِ الرَّكِيِّ، فَجَعَلَ يُنَادِيهِمْ بِأَسْمَائِهِمْ وَأَسْمَاءِ آبَائِهِمْ: «يَا فُلاَنُ بْنَ فُلاَنٍ، وَيَا فُلاَنُ بْنَ فُلاَنٍ، أَيَسُرُّكُمْ أَنَّكُمْ أَطَعْتُمُ اللَّهَ وَرَسُولَهُ، فَإِنَّا قَدْ وَجَدْنَا مَا وَعَدَنَا رَبُّنَا حَقًّا، فَهَلْ وَجَدْتُمْ مَا وَعَدَ رَبُّكُمْ حَقًّا؟» قَالَ: فَقَالَ عُمَرُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَا تُكَلِّمُ مِنْ أَجْسَادٍ لاَ أَرْوَاحَ لَهَا؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ، مَا أَنْتُمْ بِأَسْمَعَ لِمَا أَقُولُ مِنْهُمْ»، قَالَ قَتَادَةُ: أَحْيَاهُمُ اللَّهُ حَتَّى أَسْمَعَهُمْ، قَوْلَهُ تَوْبِيخًا وَتَصْغِيرًا وَنَقِيمَةً وَحَسْرَةً وَنَدَمًا)…

ونحن في هذه الأيام المباركة من رمضان 1440للهجرة وفي زمن ثورة الأمة ومعركة التحرر التي تخوضها الأمة لتشتد حاجتنا إلى استحضار سيرة النبي ﷺ وصحابته في مواجهة الاحتلال الصليبب والاستبداد الوظيفي وكيف تعلقت قلوبهم ودعواتهم بالله عز وجل ليستمدوا النصر من عنده ‏﴿وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِندِ اللَّهِ ۚ ﴾…

فالأمة في ثورتها انكشف لها المشهد السياسي الوظيفي والذي أقامته القوى الاستعمارية بدوله وجماعاته وأحزابه بعد سقوط الخلافة، ولم يعد أمامها إلا الكفر بهذا الواقع الجاهلي البائس الذي تعيشه الأمة ومواجهته وإسقاطه وهذا لن يتأت بالقوة المادية التي تملكها شعوب الأمة فقط إذ لا مجال بالحسابات المادية للمقارنة بين ما تملكه القوى الاستعمارية والنظام العربي الوظيفي من قوة مادية هائلة…

فخروج الأمة من هذه الجاهلية المعاصرة لن يكون إلا بروح الجهاد والثورة ‏﴿وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ ۚ هُوَ اجْتَبَاكُمْ﴾ والأخذ ما أمكن من أسباب مادية وسياسية ﴿وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ﴾ وبقوة الإيمان والتعلق بالله عز وجل ودعائه ﴿وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ ۚ﴾ حيئذ سينزل نصر الله عز وجل على الأمة وثورتها كما نزل على صحابة رسول الله ﷺ من قبل ففتحوا العالم في ثلاثة عقود وأعادوا للبشرية الحرية والعدل الذي صادرتها فارس الوثنية وروما الصليبية كما صادروها في يومنا هذا…

فأمة النبي ﷺ على موعد جديد مع ملحمة تاريخية تعيد للبشرية الحرية والعدل تحت راية الإسلام وخلافته الراشدة التي أظل زمانها مع ثورة الأمة التاريخية وتحررها، فطوبى لمن كان له نصيب في تحقيق بشرى النبي ﷺ (ثم تكون خلافة على منهاج النبوة)…

سيف الهاجري

2 رمضان 1440هـ

7 / 5 / 2019م

اترك تعليقًا

إملأ الحقول أدناه بالمعلومات المناسبة أو إضغط على إحدى الأيقونات لتسجيل الدخول:

شعار ووردبريس.كوم

أنت تعلق بإستخدام حساب WordPress.com. تسجيل خروج   /  تغيير )

Facebook photo

أنت تعلق بإستخدام حساب Facebook. تسجيل خروج   /  تغيير )

Connecting to %s

إنشاء موقع إلكتروني أو مدونة على ووردبريس.كوم قالب: Baskerville 2 بواسطة Anders Noren.

أعلى ↑

%d مدونون معجبون بهذه: