الثورة…والمرجعية الغائبة!
منذ قيام الثورة العربية وأمواج الأفكار والدعوات، والتي لا تمت للأمة بصلة، تتقاذفها على سواحل التبعية للغرب بأفكاره الفلسفية ونماذج نظمه السياسية (لتتبعن سنن من كان قبلكم) وتولى كبر هذه الدعوات رجال (من جلدتنا ويتكلمون بألسنتنا) لكنهم في الحقيقة هم رجال الغرب الذين صنعهم على عينه كما خطط نابليون بونابارت بتأهيل رجال ليكونوا حزبا لهم في أوطاننا بعد أن اخترق قلب العالم العربي والإسلامي بالحملة الفرنسية على مصر 1798 – 1801م، ومنها انطلقت البعثات العلمية لأبناء الأمة لعواصم الغرب ليرجع منهم رجالا للغرب يبشرون بحضارته وثقافته على مدى قرنين “انظر رسالة في الطريق إلى ثقافتنا لمحمود شاكر”…
واليوم ومع الثورة العربية سارع رجال الغرب هؤلاء بمراكزهم الفكرية وقنواتهم الإعلامية بجعل أنفسهم مفكرين للثورة وموجهين لها يبشرون بالديموقراطية ذات الأصول الأغريقية والرومانية الوثنية “انظر تاريخ الفكر السياسي من الدولة المدينة إلى الدولة القومية – جان جاك شوفالييه”
والليبرالية ذات الأصول البروتستانية المسيحية “انظر شروق الأمبراطورية البريطانية وغروبها – لورانس جيمس م1 ص18” لتبقى الأمة وشعوبها تحت الهيمنة الغربية سياسيا وثقافيا…
وهذا ما نشاهده اليوم من هؤلاء القوم -رجال الغرب- ودعواتهم السياسية لإقامة أنظمة ديموقراطية وباسم الثورة لتبقى قضية الوجود الاستعماري للقوى الغربية بعيدة عن خطاب الثورة خاصة في موجتها الأولى وكأن الصراع بين أنظمة مستبدة وشعوب تسعى للإصلاح وليس بين الأمة والاحتلال الغربي، لنرى بعد ذلك كيف قامت هذه الأنظمة الديمقراطية التي دعوا إلى قيامها بالتزام قواعد النظام الدولي الذي تحكم القوى الاستعمارية الأمة وشعوبها والعال من خلاله، وليعود رجال النظام العربي من جديد ليحكموا قبضتهم على السلطة والحكم وباسم الثورة كما في مصر وتونس واليمن…
وللأسف وبالرغم من وضوح طبيعة المعركة فقد سارت الجماعات الإسلامية على هذا الخط، بعلم أو بغير علم، ودعت هي ومفكريها إلى الديموقراطية كنظام للحكم، وشرعن مشايخها لهذه الدعوة بقولهم بأن الإسلام لم يأت بنظام سياسي للحكم وإنما جاء بمبادئ عامة والديمقراطية كنظام حكم معاصر خير نموذج لتطبيق هذه المبادئ العامة التي جاء بها الإسلام…
لقد حققت هذه الجماعات ومشايخها بهذا الخطاب الاستشراقي المبدل للقوى الدولية ما عجز عنه خطاب علي عبدالرازق نفسه والمؤسسات الدينية الرسمية للنظام العربي، فخطاب هذه الجماعات الوظيفية جاء والقوى الغربية وهيمنتها على العالم العربي والإسلامي تهتز وهي تواجه أخطر تحدي منذ سقوط الخلافة مع قيام الثورة العربية والنهضة التركية واللتان تواجه نفس المخطط والتآمر من هذه الجماعات الوظيفية المتحالفة مع الغرب والنظام العربي الوظيفي…
إن أهم تحدي تواجهه الثورة هو كيف تعيد بوصلتها نحو المسار الصحيح وتجعل الإسلام مرجعا، وليصبح هو شعارها ويكون الخطاب السياسي النبوي والراشدي فكرها كما في الحديث (تركتكم على البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها بعدي إلا هالك، من يعش منكم فسيرى اختلافا كثيرا، فعليكم بما عرفتم من سنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين عضوا عليها بالنواجذ) فهذه أمر نبينا عليه الصلاة والسلام لأمته من بعده بالتمسك بالنموذج السياسي الذي أقامه هو وأصحابه رضوان الله عليهم أجمعين، فهذا هو ما يجب شرعا على الأمة وقوى الثورة العمل من أجله ونبذ سوى ذلك من الدعوات الجاهلية والتي تريد أن تقود الأمة نحو عبودية مدنية مزيفة صنعها الغرب، والتي وصفها المفكر الياباني فوكوزاوا (المدنية التي يدعو لها رجال الغرب هي خروج الشعوب الشرقية من مرحلة الحياة الهمجية إلى مرحلة العبودية للرجل الأبيض) “الأصول الثقافية للنهضة اليابانية الحديثة- د. رءوف عباس حامد- المجلة التاريخية المصرية 1976 م23 ص260 “…
فالمعركة الفكرية والثقافية حول مرجعية الثورة لا تقل خطورة عن ساحات الثورة الساخنة، وما دام صوت رجال الغرب والجماعات الوظيفية متصر المشهد الثوري ستتراجع الثورة حتى تحتوى وتنتهي، إلا أنه متى رفعت الثورة شعار الإسلام وخطابه السياسي النبوي والراشدي سيصلح حالها وسيفتح الله عليها كما صلح حال الأمة من قبل وفتح عليها لأنه (لن يصلح آخر هذه الأمة إلا بما صلح به أولها)…
﴿ وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ ﴾
سيف الهاجري الثلاثاء
16 رمضان 1440هـ
21 / 5 / 2019م
اترك تعليقًا