لماذا يرفضون أن يكون للإسلام دولة؟
عاد الصراع التاريخي حول الخلافة والدولة في الإسلام من جديد إلى الواجهة الفكرية والعلمية في المشهد السياسي في العالم العربي في ظل الثورة والمعركة الكبرى التي تدور رحاها من المحيط إلى الخليج، فهذا الصراع لم يختلف في جوهره وأسبابه منذ سقوط الخلافة كنظام ودولة إنما تغير شخوصه ومؤسساته، وهو نفس الاصطفاف والتخندق لكن الأخطر اليوم هو أن جماعات ونخب إسلامية دخلت على خط الثورة وباسمها وتروج لخطاب علي عبدالرازق الاستشراقي الرافض للخلافة والدولة في الإسلام لتجعله المرجع الشرعي للثورة وفكرها السياسي وبدعم من المنظومة السياسية التي ثارت عليها الثورة!
إن رفض القوى الاستعماري لقيام الخلافة أو أي دولة تحكم بالإسلام طبيعي في ظل الصراع الحضاري بينها وبين الأمة، وهي ملتزمة بشروط اللورد كرزون وزير خارجية بريطانيا التي فرضها على تركيا عام 1921م بإلغاء الخلافة كنظام ودولة والعلمانية كمرجعية للدستور ونظام حكم لتعمم بعد ذلك على العالم العربي ” انظر: هدم الخلافة الإسلامية مجلة الوعي اللبنانية العدد 35 – السنة الثالثة- 1410 هـ، آذار 1990م ومذكرات المفتي محمد الأمين الحسيني ص212″ …
وأما رفض جماعات إسلامية ونخبها لقيامها فهذا له شأن آخر…
فهذا الرفض لا يمكن فهمه خارج هذا الصراع، فهي اصطفت بكل وضوح بهذا الخطاب الاستشراقي في فسطاط هذه القوى الاستعمارية ومنظومته الوظيفية، ولا يمكن للأمة أن تقبل هذا الموقف مهما كانت الحجة لاصطدامه بالإسلام ونصوصه القطعية فضلا عن كونها في ثورة ومعركة تحرر…
إن أخطر ما تطرحه هذه الجماعات ونخبها وهي ترفض قيام دولة للإسلام هو أنها تحتج بشبهة استشراقية بأن الإسلام لم يأت بنظام سياسي محدد وأن الخلافة ليست من الدين نشرها علي عبدالرازق في كتابه (الإسلام وأصول الحكم) ليلغوا بذلك النصوص الشرعية ويهدموا سيرة النبي صلى الله عليه وسلم في دعوته للنصرة منذ العهد المكي وإقامة الدولة إلى حين إقامتها في العهد المدني، وقيام الصحابة رضي الله عنهم بالسير على هدية عليه الصلاة والسلام في إقامة دولة الخلافة الراشدة وبيان معالمها وأسسها بشكل عملي لتصبح دولة النبوة والخلافة الراشدة نموذجا قل نظيره في التاريخ الإنساني، ليأتي هؤلاء ليهدموا هذا التشريعات والسنن التي أمرنا الله ورسوله بإتباعها ويمسحوا هذا الإرث العظيم لدولة الخلافة وكأنها لم تقم بالإسلام وإنما حدث تاريخي كغيرها من الدول على حد زعمهم وإفترائهم…
وهذا الموقف لهذه الجماعات الإسلامية ونخبها لا يختلف عن موقف العلمانيين الليبراليين واليساريين الشيوعيين في رفضهم جميعا لقيام الخلافة والدولة الإسلامية واعتبروها جميعا دولة مستحيلة في عصرنا هذا، ورفضهم حتى لقيام دولة تحكم بالإسلام على المستوى القطري، فهم سواء في هذا الموقف، فهؤلاء باسم المقاصد والقيم والنهضة وأولئك باسم الديمقراطية والاشتراكية…
إن هذا التوافق الفكري والسياسي والعملي في الموقف من الخلافة والدولة في الإسلام بين قوى متناقضة في المرجعية والفكر لا يمكن تفسيره إلا أن هناك رعاية دولية وإقليمية واحدة لهذه القوى والجماعات تدفع بها لتبني مواقف شرعية وفكرية وسياسات وحتى برامج بما يتوافق مع الهدف الاستراتيجي لهذه القوى الاستعمارية في المنطقة وهو جعلها مجزأة في دول قطرية تحكم بالعلمانية وغيرها ولا تحكم بالإسلام…
إن أهم سبب لرفض هذه الجماعات بالرغم من مرجعيتها الإسلامية هو أنها لعقود، إن لم يكن لقرن كامل، نشأت وترعرع نخبها ورجالها تحت إشراف المنظومة الإقليمية وبرعاية النظام الدولي الذي يحكم المنطقة، وأصبحوا جزءا من المنظومة الوظيفية السياسية والفكرية ورديفا شعبيا وإسلاميا لها، وتجدهم يتصدون لكل دعوة إصلاح وتغيير خارج هذه المنظومة الوظيفية بكل إخلاص وإحتساب وإقتدار…
لكن هذا المشهد الوظيفي البائس انكشف منذ أن وقفت هذه الجماعات الوظيفية مع الاحتلال الأمريكي لأفغانستان 2001م والعراق 2003م ووقوف الحركة الإسلامية مع المحتل…
وجاءت الثورة العربية ليتجلى للأمة وشعوبها بوضوح الدور الوظيفي لهذه الجماعات، كما في اليمن وتفاهم حزب الإصلاح مع نظام علي صالح وقبول المبادرة الخليجية، وتفاهم حركة النهضة السري في باريس عام 2013م مع حزب النداء وعودة السبسي رجل نظام بن علي ليحكم تونس من جديد، وتفاهم حزب العدالة والبناء المصري مع المجلس العسكري لينتهي مشهد الثورة في مصر بانقلاب عسكري يعيد الحكم لرجال نظام مبارك، وتحالف الحركة الإسلامية وتفاهمها في السودان مع نظام البشير والمجلس العسكري لاحقا، وفي الجزائر تحالف الحركة الإسلامية مع جنرالات الجيش ونظام بوتفليقة، وحتى القوى المقاومة في فلسطين التي يفترض أن قواها المقاومة في طليعة الواقفين مع الثورة العربية فإذا هي تتحالف مع النظام الإيراني الذي يرتكب المجازر في العراق وسوريا…
لهذا كله فهم يرفضون أن يكون للإسلام دولة لارتباطهم العضوي بالنظام الدولي والنظام العربي ﴿حُمِّلْنَا أَوْزَارًا مِنْ زِينَةِ الْقَوْمِ﴾…
فالمعركة ليست فكرية أو اجتهادية يسوغ فيها الخلاف كما يزعم هؤلاء بل هي معركة وجودية تخوضها الأمة مع هذا النظام الدولي وقواه الاستعمارية وأدواته الوظيفية…
وستدفع هذه الجماعات الوظيفية ضريبة ركونها للنظام الدولي وقواه الدولية وليس بخسرانها لمصالحها فقط بل في وجودها وبقائها في المشهد السياسي والفكري فهذه هي سنن الله التي لا تتخلف ولا تتبدل ولا تحابي أحدا من خلقه…
﴿وَلا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ﴾
سيف الهاجري
الاثنين 14 شوال 1440هـ
نظرا لقيمتك التدوينيّة الرائعة ،سعيا منا لتطوير النقاش و الاستفادة من المدونين العرب ، موقعنا يدعوك للزيارة و التفاعل !!!
بصماتك و تعليقاتك تعنينا جدّا
إعجابإعجاب