الخلافة والثورة…وسقوط النظام الدولي!
لم يكن سقوط دولة الخلافة كحدث تاريخي كسقوط أي دولة، بل هو سقوط لنظام دولي كان قائما لقرون يحكم العالم، وكانت الخلافة كدولة ونظام هي مركزه المحوري تدافع فيه عن الأمة ودينها وكيانها من خطر القوى الاستعمارية الغربية التي خرجت على العالم بحملات استعمارية مع عصر النهضة الأوربية وكشوفاتها الجغرافية وثورتها الصناعية.
وظلت القوى الأوربية تسعى لاختراق العالم الإسلامي وإسقاط الدولة العثمانية، لكن بريطانيا القوى العظمى الأولى آنذاك اتبعت سياسة المحافظة على كيان الخلافة العثمانية طوال القرنين الثامن عشر والتاسع عشر وحرصت على منع أي قوة أوربية من التقدم في أراضي الدولة العثمانية وخاصة روسيا، لتحافظ على طرق المواصلات البرية والبحرية نحو مستعمراتها الشرقية وخاصة الهند والخليج العربي وعرف هذا الصراع الأوربي في حينه باللعبة الكبرى.
ومع قيام الحرب العالمية الأولى تغيرت السياسة البريطانية اتجاه الخلافة العثمانية مع تولي السلطة فيها الجناح السياسي المتشدد والذي يقوده لويد جورج وبلفور وتشرشل، وأقرت لجنة الحرب إسقاط الخلافة العثمانية وتقاسم أراضيها مع فرنسا وروسيا كهدف استراتيجي لحربها مع الخلافة العثمانية وكلفت مارك سايكس لعقد الاتفاق مع فرنسا وروسيا لتحقيق هذا الهدف بمساعدة حلفائها، فوقعت إتفاقية سايكس بيكو الشهيرة بين بريطانيا وفرنسا والتي كان يفترض أن يوقعها أيضا سازانوف الروسي لولا أن الثورة الشيوعية أسقطت القيصرية الروسية وكشفت هذه الاتفاقية السرية.
ومع نهاية الحرب العالمية الأولى وبعد سقوط الخلافة العثمانية سقطت معها بريطانيا الإمبراطورية التي لا تغيب عنها الشمس، وبدأ ينهار النظام الدولي القديم، ليقع ما حذر منه مارك سايكس نفسه حينما قال أمام البرلمان البريطاني (إن إختفاء الإمبراطورية العثمانية هو الخطوة الأولى حتما نحو اختفاء إمبراطوريتنا) “سلام ما بعده سلام ص83 ديفيد فرومكين”، ولم تستطع بريطانيا مع احتلالها للعالم العربي من تحمل أعباء هذا الاحتلال سياسيا وإقتصاديا فسقطت بعد عشرين سنة من سقوط الخلافة كما حذرها سايكس وتفككت إمبراطوريتها وورثتها أمريكا وروسيا.
وبعد قرن من هذه الأحداث التاريخية الملحمية جاء النسر الأمريكي ليسير على خطى الأسد البريطاني، لتشن أمريكا حملتها العسكرية على العالم الإسلامي وتحتل أفغانستان عام ٢٠٠١م والعراق عام ٢٠٠٣م لتواجه فيهما أكبر هزيمة عسكرية في تاريخها على يد حركة طالبان والمقاومة العراقية وبتكلفة ٥,٩ تريليون دولار ” تقرير تكاليف الحرب نوفمبر ٢٠١٨ معهد واتسون – جامعة براون الأمريكية https://tinyurl.com/yxhhk7df ” ولتدفع أمريكا ثمن الاحتلال كما دفعته بريطانيا من قبل.
وقامت الثورة العربية لتكمل طريق جهاد ومقاومة الشعبين الأفغاني والعراقي لتسقط النظام العربي الوظيفي، وبدأت المنطقة مع هذا الانهيار الكامل للمنظومة العربية الوظيفية بأنظمتها وجماعاتها بالتخلص من الاحتلال الغربي وهيمنته، ولم تعد لدى القوى الاستعمارية الدولية القدرة على ضبط المنطقة بالرغم من الحملات العسكرية والثورات المضادة على الثورة العربية.
ومنذ سقوط الخلافة العثمانية إلى قيام الثورة العربية خاضت الأمة ملحمة تاريخية لا نظير لها، وكما كان سقوط الخلافة إيذانا بسقوط النظام الدولي القديم فإن قيام الثورة العربية هو إعلانا بانهيار النظام الدولي الجديد.
ولن يستعيد العالم توازنه ولن يتحرر من هذا النظام الدولي الذي أقامه الغرب الاستعماري وحكم العالم بمؤسسات دولية قامت على الطبقية الاستعمارية والمادية الإلحادية والرأسمالية المتوحشة باسم المسيح! إلا بنظام دولي تقيمه أمة الإسلام التي بعثها الله لأمم الأرض كافة برسالة التوحيد والحرية والرحمة.
إن هذه الرسالة الربانية الخالدة هو ما تحتاجه قوى الثورة العربية لتتخلص من جاهلية الديموقراطية والقطرية والوطنية، لتصبح الثورة ثورة أمة تتطلع لها شعوب الأرض المضطهدة وتنتظرها لتخلصها من هذا النظام الدولي الغربي الدجال!
﴿وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين﴾
سيف الهاجري
السبت 24 ذو القعدة 1440هـ
27 / 7 / 2019م
اترك تعليقًا