تركيا والربيع العربي…
خندق واحد وعدو مشترك!
(لن نسمح لتركيا أن تعود قوة يلتف حولها المسلمون) وزير خارجية بريطانيا اللورد كرزون عام ١٩٢١م
تغيب عن قوى الربيع العربي السياسي والفكرية مثل هذه الثوابت لسياسة القوى الصليبية الاستعمارية اتجاه الأمة وشعوبها بالرغم من وضوحها وثبوتها على أرض الواقع بعد سقوط الخلافة.
فبريطانيا وفرنسا في الحرب العالمية الأولى وعدتا الشعوب العربية بالحرية بعد انتهاء الحرب واندفع التيار القومي آنذاك خلف هذه الوعود ودعم خروج الشريف حسين على الخلافة العثمانية الذي أعمته مطامعه القومية بخلافة عربية عن خطر الاحتلال الصليبي القادم.
واليوم تواجه تركيا والشعوب العربية الثائرة نفس القوى الاستعمارية أمريكا وروسيا وأوربا والتي ظلت مهيمنة على تركيا والعالم العربي منذ سقوط الخلافة العثمانية.
ومع هذا لم تتعظ التيارات الإسلامية بكل توجهاتها بما فيها التيار الجهادي من هذا الأحداث التاريخية واقتصرت نظرتها -إن أحسنا الظن- على أحداث الربيع العربي والتحرر التركي بمنظورها الحزبي أو القطري وافتقدت للوعي الأممي التاريخي والسياسي الاستراتيجي لمحركات هذا الأحداث وبعدها الإيماني والعقائدي عند الأمة وعند أعدائها.
إن ما تواجهه تركيا من حصار وحرب إقتصادية وتآمر داخلي وخارجي من القوى الاستعمارية والأنظمة الوظيفية يأتي في سياق ما تواجهه شعوب الربيع العربي ولا يمكن الفصل بينهما ولو ادعت هذه القوى الإسلامية ذلك مستدلة بما يجري في الساحة السورية خاصة في أدلب ليتكرر مشهد فلسطين وغزة ودور القوى الإسلامية فيه، وهو ما تدفع باتجاهه أمريكا وروسيا والنظام العربي الوظيفي ليختزل المشهد الثوري بفصائل وقوى قطرية ولو كانت ثورية وجهادية ليتحقق لهذه القوى الدولية الهدف الاستراتيجي بكيانات وكانتونات مجزأة محاصرة تستنزف الثورة والمقاومة دون أن تخرج عن السيطرة أو تحقق تحريرا لأرضها، ولضرب الجدار الوظيفي بين العرب وتركيا ولو باسم الثورة والجهاد كما فعلوه من قبل باسم الخلافة العربية.
إن قوى ثورة الربيع العربي وخاصة القوى المجاهدة بحاجة لإعادة ترتيب أولوياتها واستراتيجياتها الثورية والجهادية لتكون على مستوى الأمة وشعوبها التي تخوض ملحمة تاريخية في تركيا والعالم العربي على حد سواء للتحرر من الاحتلال الخارجي والاستبداد الداخلي.
وليس أخطر ما تواجهه ثورة الربيع العربي هو أن تقع قواها السياسية والمجاهدة في حبائل شباك الأدوار الوظيفية من جديد – بعد أن وقعت فيها من قبل بثقتها بالأنظمة الوظيفية وخاصة الخليجية التي أظهرت وقوفها معها ودعمتها مع بداية الربيع العربي في موجته الأولى لتصبح ملفا بيد النظام العربي الذي ثارت عليه الشعوب – وإنما الأخطر هو أن تصبح قوى ثورة الربيع العربي والقوى المحافظة في تركيا أدوات وظيفية من جديد يوجهها العدو المشترك لتركيا والعرب لضرب التحرر التركي والربيع العربي من الداخل واشغال الساحتين بنفسهما وعزلهما عن بعض، وكذا إشعال فتيل الصراع بينهما وبين الكرد – حيث ظلت هذه القوميات الثلاث في هذه المنطقة (العرب والترك والكرد) عبر تاريخ الإسلام أمة واحدة وصخرة راسخة تحطمت عليها كل الحملات الصليبية – لتبقى المنطقة وشعوبها الإسلامية تحت نفوذ الهيمنة الغربية التي تشعل الحرائق فيها لتحقيق مصالحها الاستعمارية.
هذا المنظور الكلي والاستراتيجي في الموقف من تركيا والربيع العربي هو ما ينبغي استحضاره من كافة القوى الثورية وخاصة الجهادية على المستوى السياسي والثوري، وهو ما يقتضيه الواجب الشرعي والإيماني من الجميع.
﴿وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا﴾
الثلاثاء 29 ربيع الأول 1441هـ
26 / 11 / 2019م
اترك تعليقًا