من السودان إلى مالي…انقلابات عسكرية وظيفية!

من السودان إلى مالي…انقلابات عسكرية وظيفية!

سيف الهاجري
الأمين العام لحزب الأمة – الكويت

أحداث التاريخ السياسي في السودان ومالي دائما ما تؤكد على ارتباط كل انقلاب عسكري بأمريكا وفرنسا واللتان ترفضان أي حراك أو ثورة على الأنظمة الموالية لها بالرغم من زعمهم بدعم الديموقراطية وحقوق الإنسان!
فالسودان ومالي عندما انطلق الحراك الشعبي فيهما وأصبح يهدد النظام القائم سارعت المؤسسة العسكرية في الخرطوم وباماكو بعزل الرئيسان البشير وكيتا لقطع الطريق على الحراك الشعبي من أن يحقق أهدافه بإسقاط النظام ككل بمؤسساته العسكرية والأمنية الحاكمة!
فمع وصول موجة ثورة الربيع العربي إلى السودان سارعت أمريكا ودول الثورة المضادة إلى التضحية بالجنرال البشير واستبداله بالجنرال برهان والتضحية بالحركة الإسلامية واستبدالها بالتيار العلماني واليساري كواجهة مدنية للنظام العسكري الحاكم!
وفي مالي خرج الشعب في حراك شعبي
للمطالبة بالإصلاح والتغيير السلمي وعندما أخذ الحراك زخمه وكاد أن يحقق أهدافه تدخل الجيش بانقلاب عسكري ودعا إلى إقامة دولة مدنية كواجهة سياسية للمؤسسة العسكرية!
وحقيقة هذه الانقلابات العسكرية الوظيفية شيء آخر تمام، فانقلاب السودان وضعت ترتيباته وبرنامجه السياسي في واشنطن وبرلين، وانقلاب مالي في باريس، وبالتالي فهدفها السياسي الحقيقي هو خدمة رعاتها لا الشعوب الثائرة.
فما نشاهده اليوم في السودان من أجندة سياسية للمجلس السيادي لا تعبر عن تطلعات الشعب بالحرية والنهضة والتنمية بل رسخت التبعية السياسية والإقتصادية لأمريكا والتي انتهت اليوم مع إعلان المتحدث الرسمي للخارجية السودانية بفوائد التطبيع مع إسرائيل، ليسير بذلك السودان وفق أجندة مشروع صفقة القرن لا وفق مشروع الثورة والحراك الشعبي المخطوف!
وفي مالي والتي تعتبر معقل النفوذ الفرنسي في غرب أفريقيا فالانقلاب العسكري جاء ضمن دائرة النفوذ الفرنسية وبأجندة فرنسية وأعلن تشكيل “اللجنة الوطنية لإنقاذ الشعب” وبشعارات حفظ الأمن وإقامة الدولة المدنية ومحاربة الفساد كالمعتاد عند كل انقلاب عسكري وظيفي!
ففرنسا يتعرض نفوذها الاستعماري في دول جنوب الصحراء للخطر والانهيار!
فمع تقدم تركيا السياسي والعسكري في ليبيا وفي النيجر وتقدمها الإقتصادي في دول غرب أفريقيا، بدأت فرنسا تشعر بالخطر على مصالحها الاستعمارية من هذا التقدم التركي والذي فتح الآفاق أمام الشعوب الأفريقية للتحرر من هيمنة المستعمر الفرنسي البغيض!
ففرنسا الصليبية لم تنس أيام القرن التاسع عشر عندما بدأت باستعمار بلدان جنوب الصحراء وغربها وجدت أمامها الامتداد السياسي والحضاري للخلافة العثمانية في الإمارات الإسلامية القائمة آنذاك، وظلت المقاومة الشعبية لفرنسا تستمد قوتها من انتمائها الإسلامية وعمقها العثماني حتى سقطت الخلافة العثمانية فانهارت معها المنظومة الحضارية المقاومة!
فالبعد الديني والتاريخي حاضر في الصراع اليوم وما الانقلابات العسكرية الوظيفية إلا أداة للقوى الاستعمارية لمواجهة الشعوب عندما يفشل الاحتواء والتوظيف السياسي للنظام والقوى والجماعات كما في السودان ومالي!

الأربعاء ٢٩ ذو الحجة ١٤٤١هـ
١٩ / ٨ / ٢٠٢٠م

اترك تعليقًا

إملأ الحقول أدناه بالمعلومات المناسبة أو إضغط على إحدى الأيقونات لتسجيل الدخول:

شعار ووردبريس.كوم

أنت تعلق بإستخدام حساب WordPress.com. تسجيل خروج   /  تغيير )

Facebook photo

أنت تعلق بإستخدام حساب Facebook. تسجيل خروج   /  تغيير )

Connecting to %s

إنشاء موقع إلكتروني أو مدونة على ووردبريس.كوم قالب: Baskerville 2 بواسطة Anders Noren.

أعلى ↑

%d مدونون معجبون بهذه: