الديموقراطية العربية…الدولة المستحيلة!
سيف الهاجري
الأمين العام لحزب الأمة – الكويت
منذ أن أسقطت الحملة الصليبية البريطانية الفرنسية الخلافة العثمانية الإسلامية بعد الحرب العالمية الأولى والمنظومة العربية دولا وجماعات وتيارات تعيش أزمة هوية وإنتماء، وهامت معها الشعوب في وديان المشاريع السياسية المستوردة كالقومية والليبرالية والشيوعية والوطنية، لتكتشف الشعوب بعد قرن من هذا التيه السياسي والفكري بأنها تحكم من قبل أنظمة حكم وظيفية أخضعتها لعدوها الصليبي التاريخي باستقلال وهمي يحتفل به كل عام في كل قطر!
ومع ثورة الربيع العربي سارعت هذه المنظومة العربية بمحاولة إعادة إنتاج شرعيتها المنهارة، ففتحت أبواب الدعم والتمويل لإتحادات علمائية ومراكز فكرية لطرح مشروع فكري ليكون مرجعا سياسا جديدا للمرحلة القادمة من المشروع الغربي للمنطقة المعد في دوائر الإستشراق ومراكزه، والذي يراد منه قطع الطريق على تحرر الثورة من التبعية الفكرية والسياسية للغرب!
فدعاة المشروع السياسي الجديد -والذي لا يختلف في أهدافه من حيث تثبيت التبعية للمحتل الغربي عن المشاريع الذي سبقته- يروجون للديموقراطية لتكون المرجعية السياسية والفكرية للمنظومة العربية الجديدة القادمة!
وكانت أولى خطواتهم الفكرية لفتح الطريق أمام الديموقراطية وترويجها هو ظهور فتاوى ودراسات
تنظر وتشرعن للديموقراطية وتربطها بالمبادئ السياسية العامة التي جاء بها الإسلام لتصل دعواهم الباطلة إلى القول بأنه (لا وجود في الإسلام المنزل -أي القرآن وصحيح السنة- لما يسميه البعض نظام الخلافة الإسلامية)”د أحمد الريسوني – فقه الثورة:مراجعات في الفقه السياسي الإسلامي ص٨٣”.
ليعيد منظرو الديموقراطية العربية إحياء خطاب علي عبدالرازق الإستشراقي الذي شرعن لإلغاء الخلافة بكتابه (الإسلام وأصول الحكم) بالقول بأنه (لا خلافة في الدين، والدين الإسلامي برئ من تلك الخلافة التي يتعارفها المسلمون)! ولم يكتف منظرو الديمقراطية العربية بذلك بل زعموا بأن الأزمة السياسية التي تعيشها شعوب الأمة اليوم هي أزمة استبداد سياسي مستمرة منذ العهد الأموي إلى يومنا هذا!
وبهذا قفز منظرو الديموقراطية العربية على حقيقة وقوع العالم العربي والإسلامي تحت الاحتلال والهيمنة الغربية منذ سقوط الخلافة ليربطوا أزمة الأمة السياسية بدينها وتاريخها السياسي في خطوة لم يسبقهم بها أحد إلا المدرسة الاستشراقية الصليبية التي مهدت للمحتل الصليبي الذي يريد هؤلاء المنظرون ربط مستقبل الأمة السياسي بمثله وقيمه الوثنية!
فكيف يتصور منظرو الديموقراطية قيام أي دولة إسلامية كانت أو ديموقراطية في ظل غياب الحرية والسيادة؟
وعلى مفهوهم هذا للدولة الحديثة فالعراق نموذج مقبول ما دام يحكم بدستور ديموقراطي وضعه المندوب السامي بريمر وأحزاب -إسلامية- جاءت على ظهر دبابة المحتل الأمريكي!
فالحرية والسيادة مفقودة اليوم في العالم العربي في مرحلة ما بعد الاستعمار، ولم تكن تجارب الحكم في هذه المرحلة وخاصة الإسلامي منها إلا نموذجا على فشل الدولة الحديثة الوظيفية بالرغم من تنصيص دساتير الدول العربي على الديمقراطية والشريعة إلا أن (الشريعة في دساتيرهم ميتة مؤسسيا ومساءة الاستخدام سياسيا) على حد وصف المستشرق د وائل حلاق في كتابه (الدولة المستحيلة) وقد صدق!
فكيف بديموقراطية لم تراها الشعوب إلا في بيانات المحتل وهو يدمر مدن الإسلام وخطابات الطغاة في حفلات الاستقلال!
فمن يخدم منظرو الديموقراطية هؤلاء المحتل ومشروعه التغريبي أم المستبد ومشروعه الوظيفي؟
لكن المؤكد، ومن أدبياتهم، هو أن الأمة ومشروع تحررها وعودة خلافتها الراشدة كمنظومة حاكمة لا وجود لها في قاموسهم الفكري والسياسي!
﴿أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ ۚ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِّقَوْمٍ يُوقِنُونَ﴾
الأربعاء ٢٧ صفر ١٤٤٢هـ
١٤ / ١٠ / ٢٠٢٠م
اترك تعليقًا