أمريكا والصين..وتبادل الهيمنة الدولية!

أمريكا والصين..وتبادل الهيمنة الدولية!

سيف الهاجري
الأمين العام لحزب الأمة – الكويت

بدأت دعوات في الغرب من النخب السياسية لتأسيس هياكل دولية جديدة كدعوة ريتشارد هاس رئيس مجلس العلاقات الخارجية وتشارلز كوبشان إستاذ الشئون الدولية في جامعة جورجتاون في واشنطن لتأسيس تحالف القوى لبدء حقبة عالمية وبأن المتغيرات الدولية تتطلب قيام هذا التحالف بين القوى العالمية ويضم في أعضائه أمريكا والصين وروسيا والاتحاد الأوربي والهند واليابان مستبعدين بذلك أي تمثيل للعالم الإسلامي والذي تعده النخبة السياسية الغربية عدوا تاريخيا مهددا للهيمنة الغربية (انظر مقال: تأسيس تحــالف القوى لبدء حقبة عالمية https://tinyurl.com/4k5um6bp )!
وجاءت مثل هذه الدعوات خوفا من تداعيات الصراع الغربي الصيني الحالي بالرغم من التزام أطرافه بقواعد النظام الدولي ومحدداته والتي تم التوافق عليها في مؤتمر يالطا بين القوى المنتصرة في الحرب العالمية الثانية أمريكا وبريطانيا والإتحاد السوفيتي والتي استقرت بعد ذلك ضمن المؤسسات الدولية التي تم إنشاؤها كالأمم المتحدة ومجلس الأمن ومنحت القوى الكبرى نفسها حق النقض وأصبحت الصين جزءا من هذه القوى الراعية للنظام الدولي بعد عودتها عام ١٩٧١ للأمم المتحدة ومجلس الأمن وتعهدها بالالتزام بمحددات النظام الدولي القائم (انظر تقرير مجلة الصين اليوم https://tinyurl.com/3r9bnf8t ).
هذا من جانب ومن جانب آخر أثار الاتفاق الصيني الإيراني مخاوف الكثير بأن الصين باتفاقها مع إيران قد حققت اختراقا سياسيا وإقتصاديا في جدار الهيمنة الغربية على منطقة الشرق الأوسط التي تواجه ثورة الربيع العربي التي زعزعت النظام العربي وتحرر تركيا وتقدمها كقوة إسلامية حرة!
إن منطقة الشرق الأوسط منطقة نفوذ للقوى الغربية منذ القرن التاسع عشر واكتملت هيمنتها عليه بعد انتصارها في الحرب العالمية الأولى وسقوط (الخلافة العثمانية) مما مهد الطريق للقوى الاستعمارية الغربية لإنشاء نظام دولي جديد بمؤسسات دولية كعصبة الأمم وابتداع نظام الانتداب لمنح القوى المنتصرة في الحرب حق حكم الولايات العربية للخلافة العثمانية وإدارة شئونها بشكل مباشر!
فما الذي تغير اليوم في منطقة الشرق الأوسط بعد قرن من قيام هذا النظام الدولي المهيمن عليه؟
لا بد هنا من الإشارة إلى التزام سائد بين القوى الخمس الكبرى منذ حرب العالمية الثانية في منع أي تغيير استراتيجي يخل بقواعد النظام الدولي والتعاون لملء أي فراغ ينتج عن تراجع أو انشغال أي من القوى الخمس الكبرى عن القيام بدورها في مناطق نفوذها كما يحدث اليوم في الشرق الأوسط!
والذي ضبطت القوى الغربية الأوضاع فيه وهيمنت عليه من خلال ثلاث قوى إقليمية وظيفية وهي النظام العربي وإيران وإسرائيل وظلت هذه المعادلة قائمة بالرغم من الصراع بين هذه القوى إلا أنه ظل صراعا موجها بحسب المحددات الاستراتيجية للسياسة الغربية في المنطقة!
لكن هذه المعادلة الدولية والإقليمية انهارت مع قيام ثورة الربيع العربي ونهضة تركيا وتحررها، وحدث ما كانت تخشاه القوى الصليبية أمريكا وأوربا وروسيا من تحرر العالم العربي وتركيا وعودة المسألة الشرقية كما يطلق عليها الغرب إلى الوجود من جديد ويقصدون بها وحدة الأمة تحت منظومة سياسية واحدة بمرجعية إسلامية (نظام الخلافة)!
ومن أقدار الله عز وجل وسننه في التدافع والتغيير أن جاءت الأحداث الكبرى في العالم العربي وتركيا في وقت تشهد فيه أمريكا تراجعا سياسيا وإقتصاديا متأثرة بفشل حملتها الصليبية التي أطلقها الرئيس بوش الابن لاحتلال أفغانستان2001 والعراق2003 تحت شعار الحرب على الإرهاب وتحملها تكلفة قدرها معهد واتسون بجامعة براون الأمريكية بنحو ٥,٩ تريليون دولار (https://tinyurl.com/v6j9f2ms )!
وفي ظل هذا التراجع الأمريكي والعجز الأوربي فتحت القوى الغربية الطريق لروسيا للدخول في سوريا التي تعتبر منطقة نفوذ غربية منذ دخول الجنرال اللنبي البريطاني دمشق عام ١٩١٨، لتواجه روسيا ثورة الشعب السوري ومنع انهيار المنظومة السياسية في بلاد الشام بعد عجز إيران ومليشياتها الطائفية في حماية نظام الأسد!
وجاءت الصين كذلك كقوة كبرى لتقوم بدورها الدولي لسد الفراغ الناجم عن التراجع الغربي في منطقة الشرق الأوسط لضبطها ومنع شعوبها من التحرر وإبقائها تحت هيمنة النظام الدولي!
فمن الواضح هنا أنه تم تقاسم الأدوار بين أمريكا وأوربا وروسيا والصين لتدارك انهيار النظام الدولي بالمحافظة على هيمنة هذه القوى على شعوب العالم الإسلامي ومنع تحررها ووحدتها من جديد إلى حين التوافق على نظام دولي جديد، ولهذا جاء تحذير مجلة economist في عددها الصادر في ٣ /٤ / ٢٠٢١م والتي تمثل النخب الإقتصادية الغربية من خطر الصراع الغربي الصيني على الغرب والصين معا!
فدور أمريكا وروسيا وأوربا حماية النظام العربي وإسرائيل وجاء دور الصين لحماية النظام الإيراني ورعايته بعقد الاتفاق الأخير بينهما!
فتبادل أدوار الهيمنة بين القوى الكبرى للتحكم في المنطقة وضبطها واضح جدا، ففي الوقت الذي تعقد الصين فيها اتفاقها مع إيران سمحت أمريكا للعراق وكوريا الجنوبية بالإفراج عن الأرصدة الإيرانية المحتجزة بأمرها بهدف منع انهيار النظام الإيراني الطائفي المستنزف في العراق وسوريا واليمن ليصبح قادرا على القيام بدور وظيفي جديد في شمال القوقاز لمنع تقدم تركيا وتواصلها المباشر مع العالم التركي في آسيا الوسطى والذي يمثل خطرا استراتيجيا في نظر الصين وروسيا، ومنع تركيا كذلك من التقدم في العراق والذي يمثل خطرا استراتيجيا في نظر أمريكا وبريطانيا على نفوذهم في العراق والخليج العربي، فالدور الصيني في إيران هو نفس الدور الذي تقوم به روسيا في سوريا من حماية للنظام وحصار لتركيا!
فدور الصين الشيوعية اليوم في منطقة الشرق الأوسط كدور الاتحاد السوفيتي الشيوعي بالأمس في تبادلهم للهيمنة مع القوى الغربية وروسيا على العالم الإسلامي ورعاية وحماية أي نظام يعجز الغرب عن حمايته أو دعمه كنظام عبدالناصر بالأمس ودعم الاتحاد السوفيتي له وكنظام إيران اليوم ودعم الصين له!
فالنظام الإيراني يقوم بنفس الدور الوظيفي الذي كان يقوم به الشاه من قبل لأمريكا في المنطقة كشرطي للخليج، لكنه اليوم يقوم بدور وظيفي أكبر في العراق وسوريا ولبنان واليمن بمشروع طائفي شيعية رافعا لشعار المقاومة والممانعة تحت رعاية ودعم القوى الخمس الكبرى!
لقد سقط النظام الإيراني الطائفي أخلاقيا وسياسيا بعدائه للأمة وشعوبها ووقوفه مع المحتل الأمريكي في العراق والمحتل الروسي في سوريا وأخيرا فتحه أبواب إيران للصين بعد أربعين عاما من ثورة الشعب الإيراني على الشاه وتحرير إيران من الهيمنة الأمريكية الغربية لتصبح إيران اليوم تحت مظلة الرعاية الصينية!
فالاتفاق الصيني الإيراني في أسبابه ونتائجه كاتفاقيات كامب ديفيد وأوسلو ومشروع صفقة القرن ومشروع أبراهام فكلها مشاريع إقليمية وظيفية برعاية دولية لإعادة ضبط منطقة الشرق الأوسط وفق نظام دولي جديد تتوافق فيه القوى الدولية على قواعده وفق المتغيرات الكبرى التي يمر بها العالم اليوم والذي لم تعد المؤسسات الدولية القائمة قادرة على مواجهة تحدياتها، ولذا جاء لقاء ألاسكا بين أمريكا والصين كمحاولة لضبط التنافس بينهما لخدمة نفوذهما ومصالحهما في العالم وخاصة في الشرق الأوسط.
فالحقيقة التي تخيف القوى الخمس الكبرى ولم تعد تخفيها هو الدور الصاعد لتركيا كقوة دولية تمثل العالم الإسلامي الذي لم يعد هناك من يمثله في النظام الدولي منذ سقوط الخلافة العثمانية إلى يومنا هذا، بالرغم من كون النظام الدولي المعاصر يعتمد قيامه واستمراره على هيمنة قواه الخمس الكبرى على العالم الإسلامي وثرواته وممراته التجارية البرية والبحرية!
وعلى ضوء هذا الدور الصاعد لتركيا والذي أثبت فاعليته في سوريا وليبيا وأذربيجان والمؤهل لدخول ساحات أخرى دعما لشعوب الأمة وحمايتها استنفرت القوى الإقليمية (النظام العربي وإيران وإسرائيل) وبدأت تعيد ترتيب أوراقها من جديد بعدما ظنوا بأنهم قد انتهوا من الربيع العربي وآثاره ولم يعد هناك من يمثل خطرا على دورهم الوظيفي في منطقة الشرق الأوسط المنوطة بهم من قبل القوى الكبرى.
إذا فكما نرى فالصراع الحقيقي ليس بين القوى الدولية بل بين الأمة وأعدائها من هذه القوى الاستعمارية وأدواتها الوظيفية من دول وجماعات وأي قراءة أخرى تخرج الصراع بين الأمة وعدوها التاريخي عن مساره الحقيقي فهو تضليل للأمة وشعوبها لإدخالها في متاهات سياسية وفكرية وصراعات وطنية وطائفية كما حدث طوال القرن العشرين وأوهموا الأمة وشعوبها باستقلال صوري لدول وطنية وظيفية لا تملك شعوبها وحكوماتها من السيادة إلا الاسم وهو ما انكشف للشعوب عندما ثارت على حكوماتها لتجد أنها تواجه القوى الاستعمارية الكبرى بجيوشها في العراق وسوريا وممثليها في ليبيا وتونس وسفرائها في مصر واليمن وعملائها في تركيا وغدا ستراهم باقي الشعوب في حال ثورتها!
هذه هي حقيقة ما يجري خلف الكواليس الدولية بشأن العالم الإسلامي والذي لعقود لم ينشغل مجلس الأمن الدولي إلا بقضاياه وأحداثه، فالعالم الإسلامي هو المؤهل بدينه وحضارته كبديل عن النظام الدولي الحالي القائم على دماء الشعوب ونهب ثرواتها، وما تقدمه تركيا اليوم من نموذج سياسي أخلاقي من نصرة للمضطهدين وإغاثة للمنكوببن وإيواءً للمظلمين والمهجرين ما هو إلا نموذجا مصغرا لما يمكن أن تقدمه الأمة الإسلامية لشعوب الأرض جمعاء في حال تحررها ووحدها وعودة خلافتها كدولة تعيد العدل والرحمة للأرض المنكوبة بعد أن ملأتها القوى الاستعمارية ظلما وجورا لقرون!

الأحد 22 شعبان 1442هـ
4 / 4 / 2021م

اترك تعليقًا

إملأ الحقول أدناه بالمعلومات المناسبة أو إضغط على إحدى الأيقونات لتسجيل الدخول:

شعار ووردبريس.كوم

أنت تعلق بإستخدام حساب WordPress.com. تسجيل خروج   /  تغيير )

Facebook photo

أنت تعلق بإستخدام حساب Facebook. تسجيل خروج   /  تغيير )

Connecting to %s

إنشاء موقع إلكتروني أو مدونة على ووردبريس.كوم قالب: Baskerville 2 بواسطة Anders Noren.

أعلى ↑

%d مدونون معجبون بهذه: