المشهد السوداني…ووصية الغبشاوي!

المشهد السوداني…ووصية الغبشاوي!

سيف الهاجري
الأمين العام لحزب الأمة-الكويت
الاثنين ٢٦ ربيع الأول ١٤٤٣هـ
الموافق ١ / ١١ / ٢٠٢١م

في هذه الأيام التي يشهد فيها السودان صراعا وظيفيا بين واجهتي الثورة المضادة: المكون العسكري (المؤسسة العسكرية)، والمكون المدني (قوى الحرية والتغيير)، فقد حان الوقت لترى النور وصية المفكر الدكتور محمد عبدالله الغبشاوي رحمه الله في وقت أشد ما تحتاجه الساحة السودانية إلى الوعي بما يجري فيها ويحاك لها.
فقد قال لي رحمه الله حين اطلع على سلسلة مقالات لي حول السودان وثورته منفعلا ومتأثرا كحاله دائما منذ أن عرفته: (بالله عليك يا شيخ سيف تجمعها وتنشرها)، وكانت هذه الوصية بعد قدومه للعلاج في إسطنبول ٢٠١٩ م وكنا والشيخ د حاكم المطيري نزوره كل مساء في الفندق بعد انتهائه من جلسات علاجه الطبيعي، وكان رحمه الله في غاية الوعي مبكرا بما تعرضت له الساحة من اختراق واحتواء من الجماعات الوظيفية دفعه إلى ترك الحركة الإسلامية في السودان منذ ١٩٧٩م.
وقد انتقل رحمه الله إلى العاصمة التركية أنقرة لاستكمال العلاج، واستمرت لقاءاتنا وزيارتنا له، وأحببنا أنقرة من أجل رؤيته ولقائه وهي التي وصفها كامل مروة في مذكراته: (بالمدينة الجامدة التي يشعر الإنسان فيها بالضجر منذ الأيام الأولى).
وفي صباح يوم ٦ / ٣ / ٢٠٢١م ونحن نستعد لزيارته أكد الغبشاوي رحمه الله على وصيته في مراسلة بيننا على الواتسب حيث كتب لي: (شكرا شكرا أيها الحبيب وأرجوكم أن تتدارسوا-مع أعبائكم المضنية- هذه الشؤون السودانية والتى وراءها ما وراءها نترقب حضوركم ورافقتكم السلامة).
وإليك أيها القارئ الكريم سلسلة المقالات السودانية ابتداءا من ٢٥ / ١٢ / ٢٠١٨ مع بداية الثورة، وقد تابعت في هذه المقالات أحداث الثورة السودانية، وكشفت فيها ما تتعرض له من تآمر دولي وإقليمي بعيدا عن بروبوغندا الدول والجماعات الوظيفية التي خطفت الثورة باسم الثورة بين مكون عسكري مستبد ومكون مدني ملحد…
فهذه هي وصية الشيخ المفكر محمد عبدالله الغبشاوي – رحمه الله رحمة واسعة – لي بنشرها كاملة بحسب تسلسلها الزمني:

١- الثورة السودانية…وشروط السفير الأمريكي!

(يجب أن تبقى المنطقة العربية مقسمة وضعيفة لنحافظ على نفوذنا فيها) زبيغنيو بريجنسكي مستشار الأمن القومي الأمريكي الأسبق!

•المحافظة على الجيش والمؤسسة الأمنية.
•بقاء الحزب الحاكم ومشاركة المعارضة في السلطة.
•حظر الأحزاب والتنظيمات ذات المرجعية الإسلامية.
•المحافظة على حدود سايكس بيكو وحدود إسرائيل.

تلك هي الشروط التي عرضها السفير الأمريكي في سوريا روبرت ستيفن فورد على المعارضة السورية في بدايات تظاهرات الثورة السورية عام 2011م .
وستتكرر هذه الشروط مع أي تدخل من القوى الدولية والأنظمة الوظيفية لمواجهة الثورة والحراك الشعبي في السودان والذي فاجأ الجميع بعد أن ظنوا أن الربيع العربي قد انتهى على يد الثورة المضادة الوظيفية!
فليحذر أحرار السودان من التآمر الدولي المتوقع ومن الأنظمة العربية التي تعلن نفسها صديقة للسودان كما أعلنوا من قبل صداقتهم للشعب السوري ليحتووا الثورة ويخترقوها بقوى وجماعات وظيفية تحت شعار الصداقة والديمقراطية والحل السياسي برعاية المجتمع الدولي!
سيرى الشعب السوداني قريبا مبعوثا دوليا للأمم المتحدة وممثلا للاتحاد الأوربي يطرقون أبواب الخرطوم بمشاريعهم السياسية المشبوهة، لقطع الطريق على الشعب السوداني وثورته ومنعه من التحرر كما فعلوا من قبل مع الثورة في تونس وليبيا واليمن وسوريا باسم الشرعية الدولية واحلال السلام والإعمار فليحذر أحرار السودان لا يلدغوا من الجحر الدولي كما لدغ أخوانهم من قبل…
‏﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا خُذُوا حِذْرَكُمْ﴾
الثلاثاء 18 ربيع الثاني 1440هـ
25 / 12 / 2018م

٢- الثورة السودانية…وأوزار الزينة!

قال ﷻ ‏ ﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ﴾
وقال ﷺ (الْمُسْلِمُ أَخُوالْمُسْلِمِ، لَا يَظْلِمُهُ ولا يُسلِمُهُ وَلَا يَخْذُلُهُ)

إن واجب النصرة من أعظم حقوق المسلم على أخيه المسلم، والتي افتقدت في عصرنا هذا مع شيوع العصبية الوطنية والقومية التي جاءت مع الاحتلال الصليبي بعد سقوط الخلافة الإسلامية، وقيام الدول القطرية والوطنية على أنقاضها، وبحدود رسمها المحتل الغربي في اتفاقياته السرية كاتفاقية سايكس بيكو 1916م ومؤتمراته العلنية كمؤتمر فرساي 1918م ومؤتمر القاهرة 1921م…
لقد أصبحت الوطنية والقطرية دينا له قواعد تحدد طبيعة العلاقات بين شعوب الأمة حتى أصابت بدائها الجماعات والقوى الإسلامية، وأصبحت تتفرج كل جماعة في قطر عربي على أحداث قطر عربي آخر ولا شأن لها بها التزاما منها بالسقف القطري الضيق…
وجاءت ثورة الشعب السوداني على نظام البشير المدعوم من جماعات وقوى إسلامية لتكشف هذا الوضع البائس الذي تعيشه هذه الجماعات والقوى باصطفافها مع نظام البشير أو بالصمت عن جرائمه بحق الشعب السوداني.
إن صمت بعض الجماعات والقوى الإسلامية عن بيان الموقف الشرعي تجاه مطالب الشعب السوداني وثورته على استبداد نظام البشير هو من الركون إلى الظالمين وتخلي عن نصرة المؤمنين والمظلومين التي أوجبها الله.
ولم يعد أمام الجماعات الإسلامية من خيار بعد ثورة الشعب السوداني إلا الوقوف مع ثورته، فقد انكشفت طبيعة نظام البشير بعد عقود من رهان الجماعات الإسلامية عليه بعد رفعه لشعارات إسلامية ليضفي الشرعية على نظامه العسكري الذي انقلب على اختيار الشعب…
إن تردد الجماعات الإسلامية كلما قام شعب من شعوب الأمة بحراك شعبي أو ثورة دليل على عجزها وتطبعها بطبيعة النظام السياسي المستبد وتفاهمه معه في كل الميادين، ولم تعد هذه الجماعات ممن تتطلع إليها شعوب الأمة لإحداث التغيير أو قيادته …
‏﴿وَلَكِنَّا حُمِّلْنَا أَوْزَارًا مِنْ زِينَةِ الْقَوْمِ﴾
الأربعاء 19 ربيع الثاني 1440هـ
26 / 12 / 2018م

٣-نظام البشير ودعاته…وسنة فرعون وهلاكه!

عندما خرج الشعب السوداني ليعبر عن رفضه لواقعه السياسي المستبد ويطالب بالحرية والتغيير قام نظام البشير ودعاته بمواجهة الشعب بقوة السلاح وحشد أعوانه وأتباعه في الميادين لتهتف بحياته وبقائه ﴿فَأَجْمِعُوا كَيْدَكُمْ ثُمَّ ائْتُوا صَفًّا ۚ وَقَدْ أَفْلَحَ الْيَوْمَ مَنِ اسْتَعْلَىٰ ﴾.
ولم يعتبر البشير ودعاته من قصة فرعون عندما حشد سحرته وجنوده ﴿فَتَوَلَّىٰ فِرْعَوْنُ فَجَمَعَ كَيْدَهُ ثُمَّ أَتَىٰ﴾ لمواجهة موسى عليه الصلاة والسلام ولمنع تحرر بني إسرائيل .
لكنه واضح من مجريات أحداث الثورة في السودان وردود أفعال نظام البشير وارتباطه بالقوى الدولية الصليبية وبنظام الطغيان العربي أن النظام ودعاته سائرون على خطى فرعون ‏﴿وَأَضَلَّ فِرْعَوْنُ قَوْمَهُ وَمَا هَدَىٰ﴾ في مواجهة الشعب السوداني لتجري عليهم السنن كما جرت على فرعون من قبل ﴿فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ بِجُنُودِهِ فَغَشِيَهُم مِّنَ الْيَمِّ مَا غَشِيَهُمْ﴾…
إن الثورة السودانية هي جزء من الثورة العربية وفي ظل ما تتعرض له من تآمر دولي وثورة مضادة من الأنظمة والقوى والجماعات الوظيفية فإن الشعب الثائر في أشد الحاجة إلى الرجوع للقرآن وسنن أنبياء الله عليهم الصلاة والسلام ليهتدوا بها في مواجهة الطغيان الدولي والاستبداد العربي الوظيفي.
فكتاب الله هو حبله المتين، وفيه النور والهدى من الأحكام والسنن والقصص بما لو جعلت مرجعا ونبراسا للثورة لقادها نحو نصر تاريخي تتحرر به الأمة من الاحتلال الصليبي والاستبداد الوظيفي الذي جثم على صدرها لقرن من الزمان منذ أن أسقطت الحملة الصليبية البريطانية الفرنسية الروسية الخلافة الإسلامية العثمانية في الحرب العالمية الأولي.
لكن وبالرغم من هذا الاحتلال الصليبي والاستبداد الوظيفي وغربة الدين فإن الأمة بثورتها العربية ونهضتها التركية على موعد مئوي من التجديد الذي بشرنا به النبي ﷺ «إِنَّ اللَّهَ يَبْعَثُ لِهَذِهِ الْأُمَّةِ عَلَى رَأْسِ كُلِّ مِائَةِ سَنَةٍ مَنْ يُجَدِّدُ لَهَا دِينَهَا»
‏﴿رَبَّنَا آمَنَّا بِمَا أَنزَلْتَ وَاتَّبَعْنَا الرَّسُولَ فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ﴾
الأربعاء 3 جمادى الأول 1440هـ
9 / 1 / 2019م

٤- الحزب الشيوعي السوداني على خطى لينين!

(الشعب لا يحتاج الحرية)
فلاديمير لينين

بالرغم من انهيار الشيوعية في مسقط رأسها روسيا وأوربا الشرقية فلا زال اليسار العربي الشيوعي والإشتراكي يسعى للعودة للمشهد السياسي محاولا ركوب موجة ثورة شعوب الأمة على الاستبداد واختراقها من الداخل للهيمنة عليها واقصاء كافة القوى كما فعل آباؤهم المؤسسون في روسيا عندما أوصلهم الشعب الروسي للسلطة بعد سقوط القيصرية الروسية فقضوا على كافة القوى الشعبية التي شاركت في الثورة حتى اليسار المعتدل منهم “انظر كتاب النبي المسلح تروتسكي – اسحق دويتشر”
واليوم يتكرر المشهد الروسي في السودان حيث يسعى الحزب الشيوعي السوداني إلى تصدر المشهد السياسي الثوري بإعلان سكرتير الحزب الشيوعي السوداني مواصلة الاحتجاجات في الشارع حتى إسقاط “نظام الحكم” ليعطي الانطباع بأن الحزب الشيوعي هو خلف هذه الثورة في حين أن مواقفه السياسية منذ انقلاب البشير تتناغم مع النظام ولا تأخذ الطابع الثوري الذي يدعيه الحزب اليوم “انظر للحوار شامل مع القيادي الشيوعي محمد علي خوجلي هلاوي (https://tinyurl.com/y6ul6r8v )
إن الأحزاب القومية والشيوعية واليسارية والإشتراكية لا تؤمن بالحرية السياسية للأخرين ولا بحق الشعوب في حكم نفسها واختيار من يحكمها فهي أحزاب شمولية متى ما وصلت للسلطة ولو عن طريق الثورة الشعبية فأول مهامها هو القضاء على كافة الشركاء السياسيين والاستبداد بالسلطة وقمع الشعوب.
فالعالم العربي على مدار قرن وإلى اليوم يعاني من الجرائم التي ارتكبها بحق الشعوب اليسار العربي بكافة توجهاته كما فعلت القومية الناصرية في مصر والماركسية اللينية في اليمن الجنوبي والبعث الإشتراكي في العراق وسوريا والقذافي الإشتراكي في ليبيا وعلي صالح القومي في اليمن.
ولهذا لم يعد لهذه الأحزاب القومية والشيوعية واليسارية والإشتراكية أي مستقبل في العالم العربي خاصة بعد ثورة الربيع العربي والتي كشفت زيف دعوى تحولاتها الفكرية باصطفافها ضد الثورة العربية لتنكشف جيناتهم الإقصائية وليتحولوا إلى أدوات وظيفية بيد القوى الدولية والأنظمة المستبدة ويصطفوا في خندقها لا في خندق الشعوب كما يدعون في أدبياتهم ليحافظوا على وجودهم ومصالحهم ولو على حساب دماء الشعوب، ولذا نجد القوى الاستعمارية تدعم هذه الأحزاب الوظيفية وتفتح لها الطريق لتصدر المشهد الثوري في السودان وغيره لتقطع الطريق على وصول الشعوب نفسها بإسلامها وهويتها للحكم والسلطة، فوصول الشيوعي أو القومي أو الإشتراكي أو اليساري للسلطة لن يغير من واقع هيمنة القوى الاستعمارية على العالم العربي وثرواته بل سيعززه ويحافظ عليه كما حافظوا عليه لقرن من الزمان.
إن شعوب الأمة بثورتها وربيعها تتطلع إلى الحرية والسيادة والاستقلال أرضا وفكرا وهذا لا يتحقق إلا بالإسلام كدين وهوية وتاريخ وليس بالتاريخ الشيوعي والفكر الإشتراكي الذي نبذته شعوبها في روسيا ودول أوربا الشرقية ولن تقبل الأمة وشعوبها من اليسار بكل توجهاته أن يحكموهم من جديد، فالثورة ليست على بشار البعثي وصالح القومي والقذافي الإشتراكي فقط بل وعلى منظومتهم الوظيفية برمتها في كل ساحات الثورة.
‏﴿إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ﴾
الجمعة 19 جمادى الأولى 1440هـ
25 / 1 / 2019م

٥- السودان…اختطاف ثورة وتغيير هوية!

عمل المجلس العسكري في السودان وبدعم من دول الثورة المضادة ورعاية أمريكية على احتواء الثورة وباسمها بعد تقدمها ومحاصرتها لمقر القيادة العسكرية والمراكز السياسية في العاصمة، فبادر المجلس العسكري وفق ترتيبات سياسية دقيقة وخطوات مرسومة بما يلي لمنع سقوط النظام بالكامل:
♦️عزل المجلس العسكري الجنرال البشير والذي سلم السلطة بدون أية مقاومة كونه يدرك إنتهاء دوره الوظيفي وضرورة تسليم السلطة للمجلس العسكري للمحافظة على تماسك المؤسسة العسكرية الحاكمة.
♦️إلغاء العمل بالدستور وإقالة الحكومة ليكون المجلس العسكري في حل من أي إلتزام دستوري أو قانوني، وليصبح المجلس العسكري هو المرجع لأي ترتيبات سياسية قادمة للمشهد السوداني…
♦️تم الدفع بالقوى اليسارية والشيوعية والليبرالية وبدعم إقليمي ودولي لتصدر المشهد الثوري وبإمكانات لم تكن تملكها هذه القوى من قبل لكنها ظهرت فجأة في مراكز الاعتصام، وتم دعم هذه القوى الوظيفية إعلاميا وتسليط الضوء عليها لتصبح هي ممثل الثورة وتم تهميش كل القوى الأخرى وخاصة الإسلامية والتي لم تكن جزءا من هذه الترتيبات الوظيفية والتي أعدت في عواصم الثورة المضادة.
♦️وظف المجلس العسكري ورقة الإسلام السياسي الوظيفي، كما وظفها البشير من قبل، لعزل القوى الإسلامية الحرة الواقفة مع الثورة ولترتيب المشهد السياسي للثورة وللظهور بمظهر المدافع عن الشريعة أمام الشعب السوداني، ليصبح المجلس العسكري أمام الإسلاميين المدافع عن الشريعة، وأمام الوطنيين المدافع عن الحرية، ليكون هو محور التدافع السياسي بين القوى.
♦️وفي تبادل فاضح للأدوار الوظيفية اعترف المجلس العسكري بقوى الحرية والتغيير كممثل للثورة واعترفت قوى الحرية والتغيير بشرعية المجلس العسكري واعتبرته جزء من الثورة لتكتمل عملية الاختطاف للثورة.
♦️اتفق المجلس العسكري وقوى الحرية والتغيير وبمباركة القوى الدولية ودول الثورة المضادة على برنامج سياسي لمدة 3 سنوات ظاهره مشاركة الشعب في السلطة من خلال قوى الحرية والتغيير وحقيقته بقاء السلطة بيد المؤسسة العسكرية كما كانت منذ الاستقلال.
إن هذا الاتفاق بين المجلس العسكري، والذي يعتبر امتداد لنظام البشير، وقوى الحرية والتغيير لا يختلف عن المبادرة الخليجية في اليمن، والتي قبلتها القوى والأحزاب الوظيفية، والتي أخرجت الثورة من المشهد السياسي، ولا يختلف عن اتفاق باريس بين حركة النهضة ونداء تونس والذي عقد بسرية بين الغنوشي والسبسي ليعود السبسي رجل النظام السابق ليحكم تونس من جديد كما الجنرال برهان في السودان.
ومع هذا الاتفاق المشبوه بين المجلس العسكري وقوى الحرية والتغيير لم يعد الإسلاميين خارج المشهد فقط بل سيجد الثوار أنفسهم خارج المشهد السياسي وخارج السودان كما حدث مع قوى الثورة في مصر واليمن وليبيا وتونس وسوريا!
إن من أخطر ما يواجهه السودان اليوم ليس اختطاف الثورة فحسب بل ما يراد له من تغيير للهوية بشكل واضح بعد إنتهاء دور الإسلام السياسي الوظيفي الذي وظفه البشير لعقود، والآن حان دور القوى العلمانية واليسارية والليبرالية لتقوم بدورها الوظيفي وبرعاية المجلس العسكري لتهيئة السودان لمرحلة صفقة القرن .
إن أشد ما تحتاجه الثورة في ظل هذا التآمر هو قوى حرة راشدة مرجعيتها الإسلام لتقود حراك الشعب بعيدا عن هذه القوى الوظيفية والطابور الخامس والذي أفسد كل ساحات الثورة العربية وسلم حصونها لأعدائها…
﴿لَوْ خَرَجُوا فِيكُم مَّا زَادُوكُمْ إِلَّا خَبَالًا وَلَأَوْضَعُوا خِلَالَكُمْ يَبْغُونَكُمُ الْفِتْنَةَ وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ ۗ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ﴾
الأربعاء 17 رمضان 1440م
22 / 5 / 2019م

٦- اتفاق السودان…طبخ في برلين!

•في 21 / 6 / 2019م عقد مؤتمر في برلين بشكل سري يناقش مستقبل السودان بمشاركة أمريكا والاتحاد الأوروبي والاتحاد الأفريقي ومنظمة الإيغاد ومجموعة الترويكا (أميركا وبريطانيا والنرويج)ومصر والإمارات والسعودية وأكد منسق تجمع السودانيين بالخارج فتحي شندي انعقاد هذا المؤتمر ببرلين حول مستقبل السودان، معتبرا أنه يأتي في إطار مواصلة اجتماع عقد في الولايات المتحدة في 17مايو/أيار الماضي برعاية الخارجية الأميركية https://tinyurl.com/y3msk7ub .
•وبعد أيام من تعيين أمريكا مبعوثها الخاص للسودان دونالد بوق عقدت وزارة الخارجية الأمريكية في 18 مايو 2019 لقاءا بمسؤولين من الاتحاد الأفريقي والأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي وأثيوبيا – باعتبارها رئيس الهيئة الحكومية الدولية لمنطقة القرن الأفريقي – بشأن السودان أكدوا على ضرورة الاتفاق بين المحتجين والمجلس العسكري الانتقالي في أقرب وقت على حكومة مدنية https://tinyurl.com/yxjqdly9 .
•وفي مقابلة للمبعوث الأمريكي للسودان دونالد بوث مع صحيفة البيان الإماراتية كشف المبعوث الأمريكي طبيعة الاتفاق وبنوده قبل أيام من توقيع المجلس العسكري وقوى الحرية والتغيير الاتفاق نفسه!
‏https://tinyurl.com/y39y3zad
هكذا تم ترتيب اتفاق السودان بين المجلس العسكري وقوى الحرية والتعيير برعاية أمريكية، وما الوساطة الأثيوبية إلا غطاء سياسي أقليمي للتدخل الغربي المباشر في المشهد السوداني.
فقوى الحرية والتغيير بخلفيتها اليسارية والعلمانية اعترف بها المجلس العسكري السوداني كممثل للحراك الثوري وفي نفس الوقت اعتبرت قوى الحرية والتغيير المجلس العسكري بعد عزل البشير جزء من الثورة، وهكذا تم اختطاف الحراك الثوري من قبلهما واخرجت الثورة من الترتيبات السياسية التي طبخت في برلين بدلا من الخرطوم!
فكلا الطرفين جنرالات المجلس العسكري وقوى الحرية والتغيير هما جزء من المنظومة الحاكمة وامتداد لها وأدوات وظيفية للقوى الدولية والإقليمية، واتفاقهما هذا جاء لإعطاء الجماهير الثائرة نصر وهمي لم يتغير فيه النظام السياسي إلا رأسه وواجهته من الجنرال البشير إلى الجنرال برهان والميليشاوي حميدتي.
وأما الجماعات الإسلامية فقد أخرجت من المشهد السياسي – كما أدخلت فيه منذ انقلاب البشير 1989 – نتيجة لمراهنة بعضها على النظام العسكري وتحالفها معه حتى بعد سقوط البشير، ولغياب الرؤية والمشروع عند البعض الآخر وعجزها عن مواكبة الثورة والحراك الشعبي مما جعلها على هامش الأحداث.
الثورة في السودان أعمق من اتفاق سياسي يطبخ في عواصم الغرب ولن تستقر الساحة السودانية للجنرالات واليساريين الشيوعيين والعلمانيين.
لكن الأهم هو مدى قدرة الجماعات والقوى السياسية الحرة والتي لم ترتبط بالمنظومة الوظيفية على قيادة الثورة والجماهير بمشروع سياسي قائم على أصول الخطاب السياسي النبوي والراشدي وهو الخطاب القادر على حشد الشعب بكل مكوناته وقواه بعيدا عن الخطاب الشيوعي أو العلماني أو الإسلامي الوظيفي.
السبت 3 ذوالقعدة 1440هـ
6 / 7 / 2019م

٧-الثورة والعسكر…لا يجتمعان!

يذكرنا الاتفاق في السودان الذي وقع برعاية أمريكية بين المجلس العسكري وقوى الحرية والتغيير بمشروع السفير الأمريكي في سوريا روبرت ستيفن فورد.
ففي أبريل من عام 2011م وبعد شهر من ثورة الشعب السوري وخروجه في مظاهرات سلمية سارع السفير الأمريكي في سوريا روبرت فورد إلى دعوة قوى المعارضة السورية كقوى إعلان دمشق وغيرها والتقى بها في دمشق وعرض على ممثلي هذه القوى مشروع اتفاق سياسي بين المعارضة والنظام السوري واشترط لعقد الاتفاق عدة شروط:
•المحافظة على المؤسسات العسكرية والأمنية.
•المشاركة في السلطة مع نظام الأسد.
•عدم مشاركة أية أحزاب أو قوى إسلامية في السلطة.
•المحافظة على الحدود المقررة في سايكس بيكو.
•المحافظة على الحدود مع إسرائيل.
وبالطبع لم ينجح مشروع فورد في سوريا لتجاوز الثورة نفسها كل الحلول السياسية الدولية المطروحة والتي حاولت القوى الدولية من خلالها قطع الطريق على الثورة واحتوائها من قبل المبعوث الدولي وقوى وجماعات وظيفية.
واتفاق السودان بين المجلس العسكري وقوى الحرية والتغيير والقاضي بتقاسم السلطة وعدم خضوع المؤسسات العسكرية والأمنية لم يخرج عن المحددات الدولية والإقليمية لأي حل سياسي يتم الاتفاق عليه في أي بلد عربي يواجه ثورة أو حراك شعبي.
فالمؤسسات العسكرية والأمنية هي الضامن الأساسي للنظام العربيالوظيفي الذي أقامته بريطانيا وفرنسا بعد سقوط الخلافة الإسلامية وورثت رعايته أمريكا وروسيا، ولذا تجد العسكر دائما في قلب المشهد السياسي العربي فهم وكلاء القوى الغربية المهيمنة على المنطقة العربية.
فمثل هذه الاتفاقات السياسية الموقعة برعاية أمريكية لن تحل الأزمة السياسية لا في السودان ولا في غيره من دول المنظومة العربية، فالأزمة أعمق من صورتها الظاهرة بأنها بين نظام مستبد وشعب ثائر.
فالعالم العربي لا يحكمه الاستبداد السياسي فقط بحيث يمكن لأي حل سياسي أن ينجح في إنهائه، فالمحتل الغربي لا يزال يحكم العالم العربي ولم يخرج منه لا بحرب تحرير ولا بثورة شعبية على مدى قرن كامل كما هو معلوم من التاريخ المعاصر.
فالاستقلال الذي يعيشه العالم العربي ما هو إلا وهم وخداع، وانظر اليوم إلى الواقع السياسي العربي من المحيط إلى الخليج وإلى بلدان الثورة في العراق ومصر وسوريا وليبيا واليمن والسودان والجزائر لتدرك حقيقة زيف هذا الاستقلال، وكيف أن قوى الاحتلال لا زالت فاعلة وموجود سواء بوجودها العسكري المباشر أو بحضورها السياسي الذي يدير المشهد من خلف الكواليس بأدواته الوظيفية من عسكر وجماعات وأحزاب وقوى وظيفية.
إن الثورة العربية ليست ثورة شعب هنا وهناك وإنما هي ثورة تعبر عن تطلع الأمة للتحرر من الاحتلال الغربي والتخلص من الاستبداد الوظيفي.
هذه هي حقيقة الثورة العربية ومشهدها السياسي والثوري والتي يتجنب مواجهتها كثير من المخلصين والصادقين ليصدق فيهم قول الله تعالى ﴿وَإِذْ يَعِدُكُمُ اللَّهُ إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ أَنَّهَا لَكُمْ وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَيْرَ ذَاتِ الشَّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ وَيُرِيدُ اللَّهُ أَن يُحِقَّ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ وَيَقْطَعَ دَابِرَ الْكَافِرِينَ﴾.
الخميس 15 ذو القعدة 1440هـ
18 / 7 / 2019م

٨- الثورة في السودان…والحل الأمريكي!

(طرحت وكالة المخابرات الأمريكية CIA فكرة الانقلاب العسكري على الشاه لقطع الطريق على الثورة وأكد رجالها بأنه إذا كان الناس يريدون حكما جمهوريا فليكن لهم ما يريدون يذهب الشاه إلى أي منفى، ونأتي بجنرال مسلم طيب ليكون رئيسا للجمهورية وبذلك نسحب البساط من تحت أقدام الثوار) مدافع آية الله محمد حسنين هيكل ص199 .
هذا الحل الأمريكي الذي طرح لمواجهة ثورة الشعب الإيراني، عاد من جديد ليطبق في السودان لمواجهة ثورة الشعب…
وهو ما حدث بالفعل فتم الانقلاب العسكري على البشير ليقدم جنرالات المجلس العسكري، وهم رجال البشير كجنرال برهان وجنرال حميدتي، أنفسهم للشعب كحماة للثورة في مشهد سريالي أغرب من الخيال.
وفي نفس الوقت يتم تصدير قوى الحرية والتغيير الوجه السياسي والمدني للمجلس العسكري وتعترف بها القوى الدولية وقوى الثورة المضادة كممثل للثورة والشعب.
ليكتمل الحل الأمريكي الذي فشل في إيران ونجح في السودان.
لكن الأزمة في السودان أعمق من أن تحل بمثل هذه المشاريع الوظيفية التي لا تعبر عن الشعب السوداني ولا دينه ولا هويته.
إن الثورة في السودان لن تحقق أهدافها الاجتماعات السرية والعلنية التي عقدت في واشنطن وبرلين وأديس أبابا ولا ترتيبات الجماعات والأحزاب الوظيفية وتفاهمها مع المجلس العسكري، وإنما تحقق الثورة أهدافها عندما تنطلق من مساجد العاصمة الخرطوم وكافة مدن السودان لتحرر السودان وإرادته من الهيمنة الأجنبية والاستبداد العسكري الوظيفي، فهل يدرك الثوار الأحرار ذلك أم يركنوا للنظام الدولي والمجلس العسكري ليُأخذوا كما أخذ الذين من قبلهم.
‏﴿وَلَا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُم مِّن دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْلِيَاءَ ثُمَّ لَا تُنصَرُونَ﴾
السبت يوم عرفة 9 ذو الحجة 1440هـ
10 / 8 / 2019م

٩- وثيقة السودان…احتواء للثورة وعلمنة للدولة!

اعتمد الجنرال برهان وريث البشير تشكيل المجلس السيادي برئاسته، وبهذا القرار يتضح للجميع حقيقة الدولة المدنية التي رفعتها كشعار قوى الحرية والتغيير-الوجه المدني للثورة المضادة- لاحتواء الثورة في السودان.
فالوثيقة الدستورية التي تم وضع أسسها وبنودها في واشنطن وبرلين وبدعم من أنظمة الثورة المضادة أخرجت كل التيارات الثورية الإسلامية والمحافظة والرافضة للتدخل الأجنبي من المشهد السياسي وترتيباته تمهيدا لعلمنة النظام السياسي بشكل صارخ وأكثر وضوحا تماشيا مع مشروع صفقة القرن.
وبهذه الترتيبات الدولية والإقليمية للاتفاق السياسي في السودان انكشف للجميع مدى خضوع السودان للنفوذ الأجنبي حاله حال بقية المنظومة العربية.
كما كشفت لعبة الوثيقة الدستورية وحفل توقيعها مدى التضليل الذي مارسه جنرالات نظام البشير وأدواتهم الوظيفية من قوى الحرية والتغيير وغيرها من أحزاب وجماعات وركوبهم موجة الثورة، وتضحيتهم بالجنرال البشير ومحاكمته في يوم حفل التوقيع على هذه الوثيقة الدستورية ليمرروا مخطط واشنطن وبرلين وأديس أبابا!
ومع هذه الترتيبات كلها فالأسباب التي جعلت الشعب السوداني يثور على نظام البشير ما زالت موجودة وقائمة ولن يحلها جنرالات البشير بوثيقتهم الدستورية أو بتعيينهم رئيسا للوزراء مدني قضى عمره في أروقة مؤسسات النظام الدولي.
فالسودان دخله الربيع العربي ولن يوقفه لعبة سياسية وضعت قواعدها القوى الدولية ويشرف عليها سفراؤها وينفذها أدواتهم الوظيفية.
لم يعد الخطر الذي يواجهه الشعب السوداني هو نظام مستبد تقليدي بل أصبح يواجه خطرا على دينه وهويته ووحدته من نظام عسكري بواجهة حكومة مدنية علمانية جيء برئيس وزرائها أحد رجال مؤسسات النظام الدولي لوأد الثورة وعلمنة الدولة.
فهل يتدارك علماء السودان ورجالها الأحرار أمرهم قبل ذهاب دينهم ودنياهم؟
‏﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ ﴾
الأربعاء 19 ذوالحجة 1440هـ
21 أغسطس 2019م

١٠- الحركة الإسلامية…لم تحكم السودان!

(لم نعرف البشير إلا قبل الانقلاب بيوم واحد) بهذه الشهادة التي شهد بها الشيخ حسن الترابي في برنامج “شاهد على العصر” على قناة الجزيرة تنكشف حقيقة الانقلاب العسكري في السودان عام 1989م على الحكومة المنتخبة من الشعب السوداني.
فالجيش السوداني وبرعاية أمريكية هو المنفذ الحقيقي لانقلاب 1989م وجعل الحركة الإسلامية هي واجهة الانقلاب ودعمها لتكون قاعدة مدنية ذات توجه إسلامي للحكم العسكري الذي حكم السودان باسم الحركة الإسلامية بهذه الواجهة الإسلامية المدنية مع تبدل الشخصيات وأدوارها حسب المراحل السياسية التي عاشتها السودان خلال عهد الجنرال البشير.
فالحركة الإسلامية لم تكن يوما هي الحاكم للسودان بل كانت المؤسسة العسكرية والأمنية هي الحاكم الحقيقي منذ تأسيس الدولة السودانية وعهد البشير امتداد لهذا التاريخ.
لم يكن الجنرال البشير جزءا من الحركة الإسلامية ولا من أبنائها بل هو رجل المؤسسة العسكرية والتزم بالولاء لها حتى عندما عُزل وسلم عهدة الحكم للمجلس العسكري كونه هو الحاكم الفعلي لا الحركة الإسلامية، لذا فلا يستغرب هذا السقوط السريع لحكم الحركة الإسلامية فقد كان وهميا وواجهة سياسية لا أكثر .
وبعد عزل البشير بضغط من الثورة الشعبية سارع المجلس العسكري إلى إعادة إنتاج النظام بالوثيقة الدستورية والتي أعدت في لقاءات واشنطن وبرلين، وتم تصدير قوى الحرية والتغيير كواجهة مدنية سياسية جديدة للحكم العسكري خلفا للحركة الإسلامية التي انتهى دورها الوظيفي مع مرحلة الربيع العربي والثورة المضادة عليه.
فالمشهد السياسي المراد إعادة إنتاجه في السودان هو استمرار الحكم العسكري لكن بواجهة علمانية يسارية ليتوافق مع الترتيبات الدولية للعالم العربي بتصدير القوى العلمانية اليسارية والليبرالية والقومية لتكون واجهة سياسية للنظام العربي المراد إنتاجه من جديد لقطع الطريق على قوى الثورة الحقيقية.
سيدرك الشعب السوداني قريبا، إن لم يكن أدرك بعد، بأن حاله لم يتغير، إن لم يزدد سوءا، خاصة وأنه أصبح يواجه مشروعا علمانيا بواجهة يسارية شيوعية تهدد دينه وهويته ووحدته.
وهذا ما يوجب على القوى الإسلامية الحرة أن تكون طليعة ثورة الشعب السوداني ليكون حراكه الشعبي معبرا عن إرادة الشعب السوداني ودينه وهويته لا عن إرادة القوى الدولية المهيمنة وأدواتها الوظيفية في السودان من عسكر ومدنيين.
‏﴿وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ﴾
الأحد 17 جمادى الأولى 1441هـ
12 / 1 / 2020م

١١- الثورة في السودان…والاحتواء المتكرر!

بعد الحراك الثوري السلمي في ديسمبر ٢٠١٨م ضد نظام الجنرال البشير وعجزه عن مواجهته أدركت القوى الدولية بأنه لا بد من التدخل السياسي لاحتواء الحراك الشعبي وتوجيهه نحو مسارات سياسية لتحافظ على نفوذها وهيمنتها على السودان.
لذا جاء مؤتمر برلين في يونيو ٢٠١٩م بمشاركة أمريكا والاتحاد الأوربي وأنظمة الثورة المضادة وتقرر فيه المشروع السياسي الجديد لحكم السودان مع حفاظ المؤسسة العسكرية على موقعها كحاكم فعلي للسودان وبواجهة سياسية مدنية تقودها قوى الحرية والتغيير (قحت) ذات توجهات علمانية ويسارية وليبرالية وظيفية.
وتأسس على ضوء مقررات مؤتمر برلين المجلس السيادي كواجهة سياسية لحكم السودان بقيادة الجنرال برهان ليعاد بذلك تأهيل النظام العسكري الحاكم من جديد وباسم الثورة.
واليوم ومع انكشاف عجز نظام الجنرال برهان ومجلسه السيادي عن تحقيق متطلبات الحراك الشعبي السوداني أصبح النظامرالعسكري والقوى المدنية الوظيفية تواجه أزمة سياسية وإقتصادية، وبدأت دعوات شعبية لتظاهرات في ٣٠ يونيو ٢٠٢٠م مما شكل ضغطا شعبيا على النظام سارعت على إثره القوى الدولية بعقد مؤتمر إقتصادي في برلين ٢٥ / ٦ / ٢٠٢٠م لدعم النظام العسكري إقتصاديا على غرار المؤتمرات الإقتصادي التي عقدت لدعم الأنظمة الوظيفية كما في سوريا ومصر.
وسيسعى النظام العسكري ومن خلال هذا الدعم الموعود بالعمل على احتواء الحراك الشعبي القادم سياسيا، وسيركب موجته كما ركب موجة الحراك السابق ولن يتردد بالتضحية بالقوى السياسية التي وظفها في المجلس السيادي والحكومة وسيحملها كالمعتاد مسئولية الاخفاق في تحقيق مطالب الشعب ليتكرر مشهد سقوط المؤتمر الوطني وليدفع الثمن الشعب السوداني وأبنائه الشهداء، فهل يعي الشعب السوداني ما يحاك له في كواليس المؤسسة العسكرية ومجلسها السيادي؟
﴿هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ ۚ﴾
الجمعة ٥ ذو القعدة ١٤٤١هـ
٢٦ / ٦ / ٢٠٢٠م

١٢- من السودان إلى مالي…انقلابات عسكرية وظيفية!

أحداث التاريخ السياسي في السودان ومالي دائما ما تؤكد على ارتباط كل انقلاب عسكري بأمريكا وفرنسا واللتين ترفضان أي حراك أو ثورة على الأنظمة الموالية لها بالرغم من زعمهم دعم الديموقراطية وحقوق الإنسان!
فالسودان ومالي عندما انطلق الحراك الشعبي فيهما وأصبح يهدد النظام القائم سارعت المؤسسة العسكرية في الخرطوم وباماكو بعزل الرئيسين البشير وكيتا لقطع الطريق على الحراك الشعبي من أن يحقق أهدافه بإسقاط النظام ككل بمؤسساته العسكرية والأمنية الحاكمة!
فمع وصول موجة ثورة الربيع العربي إلى السودان سارعت أمريكا ودول الثورة المضادة إلى التضحية بالجنرال البشير واستبداله بالجنرال برهان والتضحية بالحركة الإسلامية واستبدالها بالتيار العلماني واليساري كواجهة مدنية للنظام العسكري الحاكم!
وفي مالي خرج الشعب في حراك شعبي
للمطالبة بالإصلاح والتغيير السلمي وعندما أخذ الحراك زخمه وكاد أن يحقق أهدافه تدخل الجيش بانقلاب عسكري ودعا إلى إقامة دولة مدنية كواجهة سياسية للمؤسسة العسكرية!
وحقيقة هذه الانقلابات العسكرية الوظيفية شيء آخر تمام، فانقلاب السودان وضعت ترتيباته وبرنامجه السياسي في واشنطن وبرلين، وانقلاب مالي في باريس، وبالتالي فهدفها السياسي الحقيقي هو خدمة رعاتها لا الشعوب الثائرة.
فما نشاهده اليوم في السودان من أجندة سياسية للمجلس السيادي لا تعبر عن تطلعات الشعب بالحرية والنهضة والتنمية بل رسخت التبعية السياسية والإقتصادية لأمريكا والتي انتهت اليوم مع إعلان المتحدث الرسمي للخارجية السودانية بفوائد التطبيع مع إسرائيل، ليسير بذلك السودان وفق أجندة مشروع صفقة القرن لا وفق مشروع الثورة والحراك الشعبي المخطوف!
وفي مالي والتي تعتبر معقل النفوذ الفرنسي في غرب أفريقيا فالانقلاب العسكري جاء ضمن دائرة النفوذ الفرنسية وبأجندة فرنسية وأعلن تشكيل “اللجنة الوطنية لإنقاذ الشعب” وبشعارات حفظ الأمن وإقامة الدولة المدنية ومحاربة الفساد كالمعتاد عند كل انقلاب عسكري وظيفي!
ففرنسا يتعرض نفوذها الاستعماري في دول جنوب الصحراء للخطر والانهيار!
فمع تقدم تركيا السياسي والعسكري في ليبيا وفي النيجر وتقدمها الإقتصادي في دول غرب أفريقيا، بدأت فرنسا تشعر بالخطر على مصالحها الاستعمارية من هذا التقدم التركي والذي فتح الآفاق أمام الشعوب الأفريقية للتحرر من هيمنة المستعمر الفرنسي البغيض!
ففرنسا الصليبية لم تنس أيام القرن التاسع عشر عندما بدأت باستعمار بلدان جنوب الصحراء وغربها الأفريقي
وجدت أمامها الامتداد السياسي والحضاري للخلافة العثمانية في الإمارات الإسلامية القائمة آنذاك، وظلت المقاومة الشعبية لفرنسا تستمد قوتها من انتمائها الإسلامية وعمقها العثماني حتى سقطت الخلافة العثمانية فانهارت معها المنظومة الحضارية المقاومة!
فالبعد الديني والتاريخي حاضر في الصراع اليوم وما الانقلابات العسكرية الوظيفية إلا أداة للقوى الاستعمارية لمواجهة الشعوب عندما يفشل الاحتواء والتوظيف السياسي للنظام والقوى والجماعات كما في السودان ومالي!
الأربعاء ٢٩ ذو الحجة ١٤٤١هـ
١٩ / ٨ / ٢٠٢٠م

رأي واحد حول “المشهد السوداني…ووصية الغبشاوي!

اضافة لك

اترك تعليقًا

إملأ الحقول أدناه بالمعلومات المناسبة أو إضغط على إحدى الأيقونات لتسجيل الدخول:

شعار ووردبريس.كوم

أنت تعلق بإستخدام حساب WordPress.com. تسجيل خروج   /  تغيير )

Facebook photo

أنت تعلق بإستخدام حساب Facebook. تسجيل خروج   /  تغيير )

Connecting to %s

إنشاء موقع إلكتروني أو مدونة على ووردبريس.كوم قالب: Baskerville 2 بواسطة Anders Noren.

أعلى ↑

%d مدونون معجبون بهذه: