لماذا يزور بايدن الخليج؟

في عام ١٩٥٧ أعلن الرئيس الأمريكي أيزنهاور مشروعه السياسي “مبدأ أيزنهاور” لملء الفراغ السياسي والعسكري في الشرق الأوسط والعالم العربي مع تراجع القوى الاستعمارية التقليدية بريطانيا وفرنسا إثر الحرب العالمية الثانية وتقدم الاتحاد السوفيتي الشيوعي مهددا الهيمنة الغربية في العالم العربي.
ومنذ إعلان أيزنهاور مبدأه السياسي أصبح النظام العربي جزءا من المنظومة السياسية الأمريكية ومتماهيا معها وتوج هذا التماهي في اتفاقية كامب ديفيد عام ١٩٧٨ وبدأت مرحلة تبعية النظام العربي الكاملة للاستراتيجية الأمريكية سياسيا وعسكريا واقتصاديا.
واليوم في ظل التحولات الكبرى في المنطقة والعالم وبعد خمس وسبعين سنة من مبدأ الرئيس أيزنهاور الجمهوري أعلن الرئيس بايدن الديموقراطي عن زيارته للمنطقة لتنفيذ استراتيجية أمريكية جديدة أعلنها في مقاله (لماذا أزور السعودية؟) في صحيفة الواشنطن بوست.
فالسياسة الأمريكية التقليدية في المنطقة بدأت بالانهيار والتراجع وظهر هذا جليا بعد الانسحاب العسكري من أفغانستان في هزيمة سياسية وعسكرية لمشروعها الصليبي الذي أعلنه الرئيس بوش عند احتلاله أفغانستان والعراق، وهذه الهزيمة لمشروع بوش هي من أهم أسباب ما نشاهده من محاولات أوباما وترامب وبايدن لإنقاذ ما يمكن إنقاذه من نفوذ أميركا وهيمنتها في العالم.
فالرئيس بايدن أوضح في مقاله الهدف المعلن لزيارته للمنطقة والخليج العربي بقوله (إن وجود شرق أوسط أكثر أمنا وتكاملا يعود بالفائدة على الأمريكيين من نواحٍ عديدة. مجاريها المائية ضرورية للتجارة العالمية وسلاسل التوريد التي نعتمد عليها. موارد الطاقة فيها حيوية للتخفيف من التأثير على الإمدادات العالمية للحرب الروسية في أوكرانيا…وبصفتي رئيسًا، فإن وظيفتي هي الحفاظ على بلدنا قويًا وآمنًا. علينا مواجهة العدوان الروسي، ووضع أنفسنا في أفضل وضع ممكن للتغلب على الصين، والعمل من أجل استقرار أكبر في منطقة لاحقة من العالم).
فسياسة الرئيس بايدن المعلنة في هذه الزيارة هي سعيه لحشد العالم العربي خلف أميركا والقوى الغربية وتوظيف دوله وثرواته النفطية وممراته المائية والتجارية لمواجهة التحديات الاستراتيجية التي تواجهها أميركا وأوربا الغربية سواء من روسيا ومشروعها القومي لإعادة هيمنتها على مناطق نفوذها في أوربا وغيرها، أو من الصين ومشروعها (مبادرة الحزام والطريق) والذي أصبح مهددا ومنافسا للهيمنة الغربية على الاقتصاد العالمي والنظام الدولي.
وهذا المعلن من السياسة الأمريكية في المنطقة هو نمط تقليدي متبع منذ الحرب الباردة بين الغرب والاتحاد السوفيتي ويحاول الرئيس بايدن إنعاشه من جديد في قمة جدة 2022 بعدما أطمئن بأنه تم تجاوز التحديات الداخلية في العالم العربي ” ثورة الربيع العربي” ولذا أكد بايدن في مقاله بأنه (سوف يجتمع القادة من جميع أنحاء المنطقة، للإشارة إلى إمكانية وجود شرق أوسط أكثر استقرارًا وتكاملاً، حيث تلعب الولايات المتحدة دورًا قياديًا حيويًا) بعدما أصبح النظام العربي بعد الثورة المضادة وقمع الشعوب وموجة التطبيع مع إسرائيل جاهزا لاستئناف دوره الوظيفي وفقا للأجندة الأمريكية الجديدة.
كما يسعى الرئيس بايدن من خلال قمة جدة إلى المحافظة على الاستراتيجية الغربية التقليدية بمنع عودة تركيا للمنطقة العربية بعدما أخرجت الحملة البريطانية الفرنسية الدولة العثمانية منها وإسقاطها، فأي عودة لتواصل عربي تركي محظور في السياسة الغربية، ولذا يسعى بايدن لعزل تركيا وحصارها إقليميا من العالم العربي واليونان وإيران بعدما أيقن بصعوبة تنفيذ وعده الانتخابي بإسقاط الرئيس أردوغان بسبب سياسته التي حررت تركيا من الهيمنة الأمريكية ووقوف تركيا مع شعوب العالم العربي في ثورتها على النظام العربي الوظيفي.
وقد حاول الرئيس بايدن في مقاله إخفاء الهدف الأمريكي الاستراتيجي بمواجهة شعوب المنطقة ومنع تحررها وحصار تركيا ومنع تقدمها بالتحذير من المحور الإيراني وخطره على المنطقة في الوقت الذي ما كان للنظام الإيراني أن تتقدم مليشياته الطائفية في العراق وسوريا واليمن إلا بضوء أخضر أمريكي لتدعم الأنظمة العربية فيها التي تهاوت أمام ثورة الربيع العربي.
فالمحور الإيراني وحلفاؤه ملتزمون بالخطوط التي حددتها القوى الدولية أميركا وأوربا وروسيا في العالم العربي كمناطق نفوذ لقوى الحملة الصليبية، ولذا تجده متحالفا مع المحتل الأمريكي في العراق والمحتل الروسي في سوريا وتقوم مليشياته الطائفية بقيادة الحرس الثوري بمواجهة الثورات الشعبية بروح طائفية في العراق وسوريا واليمن ولبنان في مشهد لم يره العالم العربي منذ تحالفت الحركات الباطنية مع الحملات الصليبية والحملات المغولية ضد الأمة وشعوبها!
ولذا يسعى الرئيس بايدن لتوظيف المحور الإيراني وخطره لتأسيس حلف عسكري جديد في المنطقة بقيادة إسرائيل وهو ما أكده رئيس وزرائها لبيد، وبهذا تحقق أمريكا بهذا الحلف العسكري سياستها الجديدة القديمة في الشرق الأوسط بحماية النظام العربي من الثورات الشعبية وإغلاق المنطقة وثرواتها النفطية وممراتها التجارية أمام أي تمدد للقوى الدولية والإقليمية كالصين وروسيا وتركيا!
فأميركا بمؤسساتها وأجنحتها السياسية مهما اختلفت تعتبر العالم العربي بموقعه الاستراتيجي وثرواته النفطية هو حجر الأساس في الهيمنة الأمريكية على النظام الدولي، ولذا فالنظام العربي هو جزء من المنظومة السياسية الأمريكية وينعكس عليه الصراع السياسي الداخلي في أميركا وانقسامه بين الجناحين الجمهوري والديموقراطي، فلكل جناح في المؤسسة الأمريكية رجاله ومؤسساته في النظام العربي، وهذا ما يفسر بعض المواقف السياسية المعارضة لبعض الأنظمة العربية في عدم تعاونها بشكل كامل مع بايدن الديمقراطي كونها تدين بالولاء للحزب الجمهوري كجناح ترامب، لكنهم جميعا ملتزمون بالاستراتيجية الأمريكية في المنطقة كما التزموا من قبل بالاستراتيجية البريطانية وأجنحتها السياسية.
﴿الم غُلِبَتِ الرُّومُ﴾

الثلاثاء 4 ذي الحجة 1443هـ
12 / 7 / 2022م

اترك تعليقًا

إملأ الحقول أدناه بالمعلومات المناسبة أو إضغط على إحدى الأيقونات لتسجيل الدخول:

شعار ووردبريس.كوم

أنت تعلق بإستخدام حساب WordPress.com. تسجيل خروج   /  تغيير )

صورة تويتر

أنت تعلق بإستخدام حساب Twitter. تسجيل خروج   /  تغيير )

Facebook photo

أنت تعلق بإستخدام حساب Facebook. تسجيل خروج   /  تغيير )

Connecting to %s

إنشاء موقع على الويب أو مدونة على ووردبريس.كوم قالب: Baskerville 2 بواسطة Anders Noren.

أعلى ↑

%d مدونون معجبون بهذه: