باسم الواقعية السياسية واجهت الجماعات والنخب الوظيفية كل من ثار على الواقع السياسي المستبد ورفض المبادرات الدولية التي ترعاها القوى الصليبية والتي جعلت لكل بلد من بلدان الربيع العربي مبعوثا دوليا يعيد ترتيب المشهد السياسي ليقطع الطريق على الثورة ويضمن استمرار الهيمنة الغربية ويفتح الطريق لعودة رجال النظام المطاح به أو إعادة تأهيل النظام المتداعي أو تولى رجال هذه الجماعات الحكم باسم الثورة!
فهذه حقيقة الواقعية السياسية عند هذه الجماعات والنخب الوظيفية، فهي واقعية براغماتية تبنت بشكل خفي مبدأ مكيافيلي الإيطالي (الغاية تبرر الوسيلة) وألبستها لباس مقاصدي لتبرر تفاهمها مع النظام العربي الوظيفي.
فالجماعات في العالم العربي ونخبها التي ترعرعت في الغرب تبنوا منهجيته وأفكاره السياسية وأصبحوا كالنظام العربي ورجاله الذين أعدتهم القوى الغربية الصليبية في جامعاتها وكلياتها العسكرية، فأصبح الفريقان جماعات شعبية وأنظمة رسمية وجهين متناغمين ، وهذا ما يفسر بشكل جلي تفاهم هذه الجماعات ونخبها مع الأنظمة ورجالها في مواجهة الربيع العربي واحتوائه!
وتمثل تونس المثال الصارخ على هذا التفاهم والتناغم، ففي الوقت الذي ثار فيه الشعب التونسي على نظام بن علي ولا يزال مستمرا في تظاهراته لاستكمال ثورته بشكل سلمي يجلس رئيس حركة النهضة الشيخ راشد الغنوشي مع الباجي القايد السبسي رجل نظام بن علي في باريس عام ٢٠١٣ ليتفقوا سرا برعاية فرنسية على تسلم السبسي السلطة باسم الثورة، ليخرج الشيخ الغنوشي بعد ٥ سنوات في مقاله “وثيقة: لقاء باريس :الدروس والتحديات والآفاق” ليدافع عن هذا الاتفاق بعد انكشاف حقيقته وظهور نتائجه الكارثية على الثورة!
فإذا كان هذا حال تونس التي يسوق نموذجها السياسي (كواحة للحرية والديمقراطية وسط فضاء عربي ضربه إعصار مدمر) كما وصفها الشيخ الغنوشي في مقاله آنف الذكر، فكيف باليمن ودور حزب الحركة الإسلامية (التجمع اليمني للإصلاح) في تنفيذ المبادرة الخليجية التي مهدت الطريق لاستلام حركة الحوثي الطائفية للسلطة في صنعاء لينتقل التجمع اليمني للإصلاح ليستكمل دوره في حكومة الشرعية برئاسة عبد ربه منصور هادي نائب علي عبدالله صالح والتي فرضت دوليا وإقليميا كممثلة للثورة اليمنية!
فهذان النموذجان السلمي في تونس والثوري في اليمن يكشفان تماما لأي شعب ثائر خطورة اختراق صفوفه من جماعات ونخب ترعرعت في أحضان النظام العربي والمجتمع الدولي ومؤسساته ولا تتورع عن استخدام كل الأدوات السياسية والفكرية بل وحتى الشرعية للقيام بدورها الذي من أجله فتحت لها أبواب العمل في كل المجالات في ظل الدولة الوطنية القطرية لتصبح ركنا من أركانه ووجه الشعبي!
وعلى الرغم من نتائج هذه الواقعية السياسية الوظيفية الكارثي على الشعوب الثائرة فلا زالت الجماعات الوظيفية ملتزمة بخطوط قوى النظام الدولي وقواعدها السياسية في كل قطر عربي حالها كحال الأنظمة!
وأما الثورة فليست جزءا من عقيدتها السياسية ولا منهجها الدعوي ولا يختلف ركوبها لموجة الثورة عن ركوب السبسي وعبد ربه منصور هادي والجنرال برهان لها!
الأحد ٢٣ محرم ١٤٤٤هـ
٢١ / ٨ / ٢٠٢٢م
اترك تعليقًا