الربيع العربي وإيران                        من دمشق إلى طهران

الربيع العربي وإيران… من دمشق إلى طهران
بعد الاحتلال الأمريكي لأفغانستان عام 2001م والعراق عام 2003م رأى النظام الإيراني أمامه فرصة لكسر الحصار الأميركي والغربي على إيران، خاصة في مجال النفط والغاز بموجب قانون داماتو الأمريكي عام 1995م، وتمثلت فرصته في العراق بإعتماد الاحتلال الأمريكي على حلفاء إيران من الأحزاب الشيعية والمليشيات الطائفية في العملية السياسية التي أسستها أمريكا بعد الاحتلال، ليصبح لإيران نفوذا سياسيا في العراق لم تكن تحلم به من قبل، وتوج التفاهم الأمريكي الإيراني بالإتفاق النووي الأخير.
وأقام النظام الإيراني سياسته الخارجية اتجاه العالم العربي على محورين أساسيين الأول سياسي مع نظام الأسد والنظام الطائفي في بغداد وهو ما يسمى بمحور المقاومة والثاني طائفي تمحور حول الأحزاب الطائفية في العراق وحزب الله في لبنان والأقليات الشيعية في الخليج العربي والحوثي في اليمن، وتجاهلت سياسته الخارجية التواصل مع الشعوب العربية في تعامله مع العالم العربي، وانطلقت سياسته وفق المنظور القومي والطائفي، ليتفاجأ النظام الإيراني بثورة الربيع العربي عام 2010م وهو يظن انه قد حقق أهدافه في العالم العربي بسياسته القومية والطائفية تلك.

فعندما قامت الثورة السورية اهتزت إيران في وجدانها الفكري والثوري كونها جمهورية إسلامية ثورية جاءت بعد ثورة شعبية على الطاغية الشاه، وفي امتدادها الإستراتيجي كون محورها السياسي في المنطقة العربية وحلفاءها نظام الأسد وحزب الله أصبح مهددا بالإنهيار والسقوط أمام ثورة الشعب السوري، فأصبحت إيران بين الالتزام بمبادئ ثورتها الشعبية وبين الحفاظ على مصالحها القومية والطائفية، لكن تفاهماتها مع أميركا والغرب وتحالفها التاريخي والإستراتيجي مع نظام الأسد جعلها أسيرة لهذه المصالح القومية والطائفية، فأوقعتها قراءتها السياسية الخاطئة لمشهد الثورة العربية، وفي لحظة تاريخية فارقة، في خندق التوظيف الأمريكي والظلم والطغيان العربي، ولتبرير موقفها هذا غير الإخلاقي والمتناقض وصفت ثورة الربيع العربي بالمؤامرة الإمبريالية وإرهاب وتطرف يهدد المقدسات الشيعية.

فمنذ عام 2003م وإيران ترى أن الدفاع عن طهران يبدأ من أسوار دمشق كما عنون بذلك المستشار محمد صادق الحسيني مقاله في صحيفة الوسط alwasatnews.com/news/205247.html، ولم تظن إيران يوما أن من سيدك أسوار دمشق على نظام الأسد هو الشعب السوري نفسه وليس المؤامرة الإمبريالية المزعومة، وهو ما أكده يحيى رحيم صفوي المستشار العسكري الأعلى للمرشد السيد خامنئي على « أن الأعداء كان لديهم مخطط لإسقاط حكومة بشار الأسد للتحرك بعد ذلك صوب حزب الله لبنان، ومن ثم التوجه صوب العراق ومن بعدها إيران» (وكالة فارس الإيرانية 6 نوفمبر2015)، وجاء المرشد الأعلى السيد علي خامنئني ليؤكد على خيار إيران الاستراتيجي وبشكل نهائي في مواجهة ثورة الشعب السوري وأمام أسر قتلى الجيش الإيراني في سوريا « لو لم نردع الأشرار ودعاة الفتنة في سوريا، لكنا نصارعهم في طهران وفارس وخراسان وأصفهان» (يناير 2016م وكالة فارس الإيرانية) وهكذا صنف المرشد الأعلى الشعب السوري الثائر بالأشرار ودعاة الفتنة.

إن أخطر ما ستواجهه إيران اليوم بعد ثورة الربيع العربي هو نتائج قرار قيادتها في مواجهة ثورة الشعوب العربية والاصطفاف مع الأنظمة الوظيفية والثورة المضادة والتحالف مع الحملة الروسية الصليبية في سوريا والاحتلال الأمريكي في العراق وأفغانستان، وتداعيات هذا القرار على الداخل الإيراني. 

فموقف النظام الإيراني من الثورة العربية تناقض مع فكر وأهداف ثورة الشعب الإيراني، وأرجع إيران إلى نفس الدور الوظيفي الذي كان يقوم به نظام الشاه كشرطي للمنطقة، وأصبحت أسوار طهران مهددةً من الداخل لا من الشعبين العراقي أو السوري كما توهم قادة النظام الإيراني أو أرادوا أن يوهموا الشعب الإيراني بذلك.

فما ارتكبه النظام الإيراني بمليشيات الحرس الثوري وحزب الله والحشد الشعبي من جرائم طائفية وحشية في العراق وسوريا وباسم الدفاع عن المقدسات ومراقد آل البيت لا يختلف عما ارتكبته الحملات الصليبية من جرائم بحق الأمة باسم المسيح ولا جرائم إسرائيل بحق الشعب الفلسطيني باسم حقها التاريخي في الأرض المقدسة فهم سواء في الجريمة والمآل.

وحاول النظام الإيراني بمواجهة ثورة الربيع العربي انهاء العزلة مع أمريكا وأوربا فوقع في العزلة مع الأمة وشعوبها وهذا سيكون له تداعياته ليس على النظام الإيراني فحسب بل سيكون له تداعياته على التشيع نفسه كفكر ومذهب وسيواجهه تراجعات على مستوى الإنتشار والقبول بين شعوب الأمة، ومراجعات على مستوى الفكر الشيعي نفسه نتيجة التناقضات الكبرى بين مواقف المرجعيات الشيعية والقيادات السياسية الشيعية في إيران والعراق بالوقوف مع المحتل الأمريكي في العراق والمحتل الروسي في سوريا وفتح أجواء وقواعد إيران للطيران الروسي وبين شعارات التشيع نفسه كالثورة على الظلم واتباعهم طريق الحسين رضي الله عنه وآل البيت الكرام في الثورة على الظلم، وهو ما قامت عليه ثورة الشعب الإيراني نفسه على نظام الطاغية الشاه، وحدث ما حدث بعد ذلك من انحراف أوصل إيران اليوم إلى ما وصلت إليه لتصبح في خندق أعداء الشعب الإيراني الغرب وروسيا، وهم الذين احتلوا إيران وتقاسموها ابان الحرب العالمية الثانية.

فمشكلة النظام الإيراني اليوم لن تكون فقط مع الأمة التي حسمت أمرها بالمضي قدما في الثورة والتحرر، بل مشكلته ستكون في إعداد الجواب للشعب الإيراني بعد هزيمته وفشل سياسته الخارجية الطائفية والعدوانية على الأمة وشعوبها وتخندقه مع أعداء الشعب الإيراني التاريخيين أمريكا وأوربا وروسيا حينها لن تجدي معه شماعة الدفاع عن المقدسات.

فإن كان النظام الإيراني قد تخلف عن مبادئ التشيع العلوي وأخلاقه واتبع السياسة الصفوية التوسعية والفلسفة المكيافيلية (الغاية تبرر الوسيلة) فإن سنن الله جل جلاله لا تتخلف في الجزاء والاستبدال، فالنظام الإيراني بسياسته الصفوية الميكيافلية هذه يكون قد فتح أسوار طهران أمام سنن التغيير الإلهية.

‏﴿ليس بأمانيكم ولا أماني أهل الكتاب من يعمل سوءا يجز به ولا يجد له من دون الله وليا ولا نصيرا﴾ 

                                      17 شوال 1438هـ  11 / 7 / 2017م

رأيان حول “الربيع العربي وإيران                        من دمشق إلى طهران

اضافة لك

أضف تعليق

إنشاء موقع إلكتروني أو مدونة على ووردبريس.كوم قالب: Baskerville 2 بواسطة Anders Noren.

أعلى ↑