مع إعلان حصار الشعب القطري فجأة قبيل الفجر دخل الربيع الخليج، وهكذا تحدث مفاجآت التاريخ وغرائبه.
لم تقم الدول المحاصرة لقطر بهذه الخطوة المجنونة من فراغ, فالثورة المضادة وصلت للعجز التام في وقف الربيع العربي في كافة ساحاته والذي أصبح يدق أبواب الجميع، لذا جاء ترمب بمشروعه الجديد للقضاء على الربيع العربي وللتطبيع مع إسرائيل، ابتداء من حصار الشعب القطري، وهو ما فصلناه في مقال (ماذا يحدث في الخليج).
الواقع الخليجي مشابه تماما للواقع العربي على كافة المستويات والحكومات تدرك قبل غيرها هذه الحقائق وهي في سباق مع الزمن لعزل الخليج العربي عن المتغيرات في العالم العربي وربيعه ولو بحصار شعوبه.
فواقع دول الخليج العربي في الاستبداد السياسي وقمع الحريات العامة ومصادرة الحق،هو امتداد طبيعي للواقع العربي المتخلف، والذي ظهر فيه الربيع العربي لهذه الأسباب تحديدا ، أضف عليها عامل الفقر الشديد في بعض بلدان العربي كتونس ومصر واليمن، لذا فتأثر الخليج بالربيع العربي مع استمرار الحكومات الخليجية بنفس الممارسات أصبح حتمي كما تؤكد كافة الدراسات والقراءات، والمستغرب هو تأخره، في الوقت الذي أصبحت فيه شعوب الخليج أكثر وعيا ونضجا من الحكومات نفسها ؛ وظهر ذلك جليا في وقوفها مع باقي شعوب الأمة في ربيعها ضد الظلم والاستبداد ،ورفضها دعم حكومات الخليج للثورة المضادة ، ووعيهم بخلفية أجندة ترامب في حصار قطر ورفضها له وعدم اندفاعها خلف سياسات الحكومات المتهورة والتي نتيجتها الحتمية الصدام مع الشعوب والحروب والدمار..
فالشعوب الخليجية أعقل وأوعى من الحكومات وأكثر ادراكا بواقعها وأشد حرصا على أوطانها وأمنها…
واقع الشعوب العربية واحد من المحيط إلى الخليج، فشعوب الخليج العربي ليس لها دور تماما في أي مشاركة سياسية فضلا عن حقها في اختيار من يحكمها أو يمثلها ليراقب السلطة وتصرفاتها ويحاسبها، فدول الخليج العربي تعيش حالة من الاستبداد السياسي والاستئثار بالثروة كما في باقي الدول العربية، بل إن الخليج العربي أشد تخلفا بغياب العمل السياسي الشعبي المنظم والمقنن ولو بالحد الأدنى كما في مصر وتونس واليمن وهي بلدان الربيع العربي نفسه!
كما أن دول الخليج لا تختلف عن دول الربيع العربي نفسه في قضايا معتقلي الرأي وانتهاك الحقوق والتي تعتبر من أخطر القضايا التي فجرت الربيع العربي كما في مصر وتونس والتي امتلأت فيها السجون على مدى عقود من المظلومين بلا محاكمات حتى أن أحدهم لا يعرف لما اعتقل ولماذا سجن وعذب!
واليوم في دول الخليج العربي نجد نفس الممارسات تماما، فتجد عشرات الآلاف من العلماء والدعاة والمصلحين والسياسيين، حتى ومن غرد بكلمة ورأي، في المعتقلات والسجون بدون محاكمات أو بمحاكمات تفتقد لأدنى شروط العدالة وحفظ الحقوق الشرعية، وبلغت الممارسات من الظلم إلى حد مصادرة هوية وجنسية أي معارض ليصبح بلا هوية ولا أي اعتراف قانوني كأنه لم يكن على أرضه قبل قيام الدول نفسها!!
ومع الحصار وصل الحال إلى أن من يتعاطف مع الشعب القطري المحاصر يجرم ويعاقب بعقوبة تصل عشرات السنين والغرامة بالملايين!! لتأتي الفتوى الشرعية بأن الحصار نفسه مشروع باسم الإسلام لمصلحة الشعب!
لتكتشف شعوب الخليج العربي بأنه ليست حريتها هي المسلوبة وهويتها هي المصادرة بل إسلامها أيضا مخطوف وأصبحت تحاصر باسمه، وتتفاجأ ومن على جميع المنابر وباسم إسلامها المخطوف يطلب من الشعوب بالسمع والطاعة ولو أخذ مالك وضرب ظهرك، لكن الشعوب الخليجية بوعيها لما يجري بأبعاد الحصار أدركت أن دعوى السمع والطاعة هنا غايتها ترسيخ الاستبداد والنفوذ الأجنبي باسم اسلامها المخطوف من على منبره المصادر….
هذا هو الواقع الخليجي اليوم ما بين استبداد داخلي ونفوذ أجنبي سد الطريق أمام تطلع شعوب الخليج نحو الحرية والاستقلال، والحصار فتح الطريق أمام شعوب الخليج للخروج من هذه الثنائية القاتلة، لتصبح الشعوب نفسها صاحبة الكلمة في الحكم والسلطة والحريات والحقوق العامة والمحافظة على الثروات والأمن والعلاقات مع شعوب الأمة والعالم.
الحصار الظالم أحدث هزة عميقة في وجدان الشعوب الخليجية، لا يدرك مداها من قام بالحصار ومن أمر به، وكيف يدركونها وهم ما بين سلطة تعيش غربة وعزلة لا تدرك عمق الوعي الذي وصلت إليه الشعوب الخليجية، أو مستعمر أجنبي لا يهمه سوى بقاء قواعده ونفوذه للسيطرة على الأرض والثروة ولو عاشت الشعوب الخليجية في مدن الخيام والعشيش (الصفيح) وهذا العهد قريب وليست ببعيد أدركناه وشاهدناه!
لكنها سنن الله عز وجل في التغيير ومكره في الظالمين والمعتدين ﴿فَأَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا﴾
أرادوا بحصار الشعب القطري التطبيع مع إسرائيل وإنهاء الربيع فجاء الله بالربيع إلى الخليج!
اترك تعليقًا