مع قيام ثورة الربيع العربي أدركت أمريكا والغرب أن العرب قد نهضوا من جديد وقامت ملحمة تاريخية من الخليج إلى المحيط، وهو ما جعل وزير الخارجية الأمريكي الأسبق جون كيري يصيح محذرا أمام الكونغرس (نحن أمام ملحمة تاريخية من البحر إلى البحر سنضطر للدخول فيها)، ليدق الغرب أجراس الحرب من جديد كما دقها من قبل عندما فتح المسلمون القسطنطينية مدينة هرقل، لتصبح الثورة العربية كفتح القسطنطينية في نظر الغرب.
فقصة حلب والموصل وتعز ،وهي قصة الثورة العربية نفسها، تكشف حقيقة الحرب الدولية التي تشنها غرفة العمليات الدولية المشتركة والثورة المضادة برعاية أمريكية على شعوب الأمة وثورتها، فما يجري في سوريا والعراق واليمن من حملات جوية للتحالف الدولي والعربي هو مشهد واحد يدار من غرفة عمليات واحدة، والتحالف الدولي في سوريا والعراق والتحالف العربي في اليمن هو في حقيقته تحالف دولي وعربي واحد وبرعاية أمريكية لإنهاء الثورة العربية وإنقاذ الأنظمة العربية الوظيفية المتهاوية.
ورفع التحالف الدولي والعربي شعار الحرب على الإرهاب (داعش والحوثي)، لتبرير حربه ولتكييفها وفق القانون الدولي، ففي العراق أعلن التحالف الدولي بأن حربه على تنظيم داعش المشبوه (وهو صنيعته وله قصة أخرى بدأ ينتهي مشهدها اليوم)، هذا التنظيم الذي دخل فجأة على المشهد العراقي وفتح له الطريق ليسيطر على الموصل وليقطع الطريق على الحراك الشعبي العراقي الذي كاد يسقط نظام المالكي الطائفي، ليتدخل التحالف الدولي ويضرب الحراك الشعبي العراقي لإنقاذ النظام الطائفي في بغداد الذي جاء على ظهر دبابة الاحتلال الأمريكي، ويتكرر نفس السيناريو في سوريا فبعد أن أوشكت الثورة على إسقاط نظام الأسد تدخل التحالف الدولي وفتح الطريق لداعش والمليشيات الطائفية لمواجهة الثورة، وبنفس الشعار شن التحالف الدولي حملته الجوية لضرب كافة فصائل الثورة والجيش الحر لإنهاء الثورة وإنقاذ نظام الأسد.
فالحرب التي شنها التحالف الدولي في سوريا والعراق والسيطرة على حلب والموصل جاءت في سياق واحد تماما لتحقيق هدفين الأول: عزل الثورة في سوريا عن الثورة في العراق ، وهذا لن يتحقق إلا بالسيطرة على حلب والموصل أكبر مدن الشمال والعمق الاستراتيجي والسكاني للثورتين السورية والعراقية فكان إخراج المدينتين من المشهد الثوري في غاية الأهمية للتحالف الدولي لمحاصرة الثورة في العراق وسوريا وعزلها عن عمقها الاستراتيجي وقطع طريق تواصل الثورة في سوريا والعراق مع تركيا، والهدف الثاني: هو إقامة شريط جغرافي على الحدود السورية التركية، وبحماية الوجود العسكري الأمريكي المباشر، يسيطر عليه التنظيمات الكردية اليسارية الإرهابية لعزل تركيا عن محيطها العربي جغرافيا، والتهيئة لضرب تركيا من الداخل باستغلال المسألة الكردية وامتداداتها داخل تركيا نفسها.
وفي اليمن بدأت المواجهة مع الثورة باطلاق المبادرة الخليجية وبرعاية دولية وفشلت المبادرة في تحقيق هدفها في إنقاذ نظام صالح وإنهاء الثورة، فتغير سيناريو المواجهة ليفتح الطريق لجماعة الحوثي للوصول إلى صنعاء لتمهيد المشهد اليمني أمام تشكيل التحالف العربي وبرعاية دولية تحت شعار الحرب على الحوثي الطائفي ومواجهة النفوذ الإيراني وعودة الشرعية، والهدف الحقيقي هو ضرب الثورة اليمنية وإخراجها من المشهد اليمني وباسم عودة شرعية عبدربه منصور هادي وهو نائب علي صالح والوجه الآخر للثورة المضادة، وبدأ التحالف العربي في شن حربه في اليمن بضرب مراكز الثورة وقواها، في حين علي صالح والحوثي في العاصمة صنعاء وبحماية دولية، وأصبحت تعز بعد سقوط صنعاء مركزا للثورة اليمنية وسارع بحصارها جيش علي صالح ومليشيات الحوثي ولم يتدخل التحالف العربي لفك الحصار بل شدد منه بقطع المعونات والدعم لإخضاع المدينة المقاومة للشرعية المزيفة، فسقوط تعز بيد صالح والحوثي يحقق ما خططت له غرفة العمليات الدولية المشتركة وبرعاية أمريكية من تقسيم لليمن إلى شمالي طائفي وإلى جنوبي يساري، وهذا لن يتحقق ما دامت مدينة تعز الاستراتيجية ذات الثقل السكاني والثقافي في يد الثورة اليمنية.
فكلا التحالفين، الدولي في الشمال والعربي في الجنوب، شكلتهما أمريكا لمواجهة الثورة العربية في سوريا والعراق واليمن، فالهدف الأساسي للتحالف الدولي والعربي هو إنهاء الثورة العربية ومنع امتدادها لمنطقة الخليج العربي وحماية أمن إسرائيل وحماية المنظومة العربية الوظيفية من السقوط وهو ما كشفه وليد جنبلاط في مقابلته مع البي البي سي بقوله (التقيت بالسيسي فقال لي يا وليد بك إن انهيار النظام والجيش السوري هو انهيار للمنظومة العسكرية والأمنية العربية)
فقصة حلب والموصل وتعز وما تواجهه من حرب دولية وثورة مضادة هي قصة الثورة نفسها ،وملحمة الثورة العربية مستمرة، والملاحم لا ينساها التاريخ.
﴿ كتب الله لأغلبن أنا ورسلي إن الله قوي عزيز ﴾
15 شوال 1438هـ
9 / 7 / 2017م
سيف الهاجري 
اترك تعليقًا