العرب وتركيا……..بين ثورتين
في عام 1908م وقع انقلاب الاتحاد والترقي على الخليفة عبدالحميد الثاني برعاية إنجليزية كما أكده الخليفة نفسه في كتابه “مذكراتي السياسية” عندما أطلق تحذيره (هؤلاء أبناء بريطانيا) وبعد هذا الانقلاب وعزل الخليفة كان من أول قرارات الانقلابيين إطلاق سراح الشريف حسين من الإقامة الجبرية وتعيينه شريفا لمكة فوقع ما كان يَحذر منه الخليفة عبدالحميد لمعرفته بتطلع الشريف حسين للانفصال عن الخلافة وانشاء خلافة عربية وهو ما يتوافق مع السياسة الاستعمارية لبريطانيا اتجاه الخلافة العثمانية الإسلامية بهدف إسقاطها وتفكيكها والفصل بين أعظم أمتين العرب والترك وهو ما حدث لاحقا بعد الحرب العالمية الأولى وسقوط الخلافة بالتوافق مع فرنسيا وروسيا وفقا لإتفاقية سايكس بيكو 1916م.
ففي عام 1916م أعلن الشريف حسين ثورته والخروج على الخلافة العثمانية بعد اتفاقه مع بريطانيا على إقامة المملكة العربية وفق مراسلاته مع المندوب البريطاني في مصر مكماهون.”الثورة العربية الكبرى” أمين سعيد.
وفي نفس السياق والزمان قامت بريطانيا بعقد مؤتمر الكويت عام 1915م وحضره أمراء الخليج وأكثر من 300 شيخ قبيلة، وهدفت بريطانيا من وراء المؤتمر إلى دعم الشريف حسين في خروجه على الخلافة وإعداد منطقة الخليج كقاعدة للجيش البريطاني لاحتلال العراق.”الجزيرة العربية في الوثائق البريطانية ج1″ نجدة فتحي صفوة.
وهكذا جرت الأحداث في الشرق العربي وفق ما رسمته الحملة الصليبية البريطانية الفرنسية فتم إسقاط الخلافة واحتلال العالم العربي وتقسيمه وبتآمر الشريف حسين وإمراء الخليج آنذاك بالرغم من تبعيتهم السياسية والإدارية للخلافة العثمانية الإسلامية.”عبيد بلا أغلال: الحرية وأزمة الهوية في الخليج والجزيرة العربية” أ.د حاكم المطيري.
وبعد 100 سنة من المؤامرة الكبرى ومع نهوض تركيا من جديد عام 2002م وقيام ثورة الربيع العربي عام 2010م بدأ التاريخ يعيد نفسه في تجدد الصراع التاريخي بين شعوب الأمة في تركيا والعالم العربي مع القوى الاستعمارية والأنظمة الوظيفية، فبدل بريطانيا والشريف حسين وإمراء الخليج بالأمس قامت أمريكا والأنظمة العربية الوظيفية اليوم بالتصدي للثورة العربية والنهضة التركية.
لكن الفارق الجوهري والكبير بين العصرين هو أن الثورة العربية والنهضة التركية اليوم في خندق واحد في مواجهة القوى الاستعمارية والأنظمة العربية الوظيفية، وهذا هو العامل الأساسي في النجاحات التي حققها العرب في ثورتهم والترك في نهضتهم وبداية تحررهم واستقلالهم من الاستبداد والاحتلال والنفوذ الأجنبي.
فالعرب بثورتهم والترك بنهضتهم يواجهون اليوم العدو نفسه الذي أسقط الخلافة العثمانية الإسلامية كنظام سياسي جامع للأمة وشعوبها، فأمريكا والأنظمة العربية الوظيفية بتآمرهم هم أنفسهم من وراء الانقلاب في تركيا والثورة المضادة في ساحات الثورة العربية (انقلاب مصر وعودة السبسي وحفتر وصالح ودعم المليشيات الطائفية كالحوثي والحشد الشعبي وحزب الله) وتحت شعار محاربة الإرهاب والتطرف وبرعاية الأمم المتحدة ومبادراتها السياسية المشبوهة.
لقد دار الزمان وجاءت معه الرحمة الربانية والبشرى النبوية بعودة الأمة وشعوبها لتجدد دينها بالأخوة الإيمانية والوحدة لتعتصم بحبل الله المتين ﴿واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا﴾ فهو العاصم لها من الفرقة والتشرذم والفتن والضعف والتي جرتها الحملة الصليبية وأدواتها الوظيفية على الأمة وشعوبها، فاليوم بعد الثورة العربية والنهضة التركية لن تغلب الأمة وشعوبها من قلة إن تخلصت من الوهن والضعف وتوكلت على الله وتوحدت وأحسنت في التنسيق والعمل المشترك في مواجهة أعدائها ولا يهولنها صولة العدو وصوته في معركة التحرير والنهضة فالعاقبة للمتقين الصابرين المرابطين المحتسبين.
﴿وقل جاء الحق وزهق الباطل إن الباطل كان زهوقا ﴾
الجمعة 3 صفر 1439هـ 3 / 11 / 2017م
اترك تعليقًا