المسعري وطواحين الإرهاب

(مَنْ عَادَى لِي وَلِيًّا فَقَدْ آذَنْتُهُ بِالْحَرْبِ) رواه البخاري.

لم أود أن يصل الدكتور محمد المسعري الأمين العام لحزب التجديد الإسلامي إلى الحد الذي وصل إليه من الغلو في فتنة التصنيف واتهامه لتيار إسلامي واسع – خاصة في الخليج والجزيرة العربية وهم كل من ينتمي لدعوة الشيخ محمد بن عبدالوهاب أو يدرس كتبه أو يعده مصلحا – بالداعشية وفكر داعش؟

وهو التصنيف الذي أصبح شماعة صليبية غربية لتجريم كل الفصائل الجهادية التي تقاوم المحتل الروسي في سوريا والأمريكي في العراق بتهمة الإرهاب، كما أصبح الاتهام بالفكر الداعشي شعارا لمواجهة الثورة العربية في كل ساحاتها من أنظمة الثورة المضادة، بما فيها النظام الإيراني وحكومة الاحتلال الطائفي في بغداد التي تدعي لتبرير كل جرائمها بحق المناطق السنية بأنها تواجه الخطر الوهابي!

فصار الاتهام بالانتماء لفكر داعش كفيلا بإهدار دم المتهم به وذريعة للقضاء عليه بالقصف والقتل والسجن والتصفية بلا محاكمات!

وهذا الاتهام بالإرهاب شمل بحسب قوائم الدول الوظيفية الخليجية كل الجماعات الإسلامية التي وقفت مع الربيع العربي بما فيهم (الإخوان المسلمين)، و (أحزاب الأمة) في الخليج وبلا أي دليل على صحة هذا الادعاء!

فجاء الدكتور المسعري فقدم لهم الدليل على صحة هذه الاتهامات بالإرهاب ولكل هذه القوى الدولية التي تحتل المنطقة ولكل الأنظمة الوظيفية التي تخدمها وتقتل الشعوب العربية الثائرة؟

فقد أثبت المسعري لهم بأن (أحزاب الأمة) تحمل هي أيضا الفكر الداعشي لمجرد أنها ترفض اتهامات المسعري لمخالفيه ولدعوة الشيخ محمد بن عبدالوهاب التي ينتمي لها آلاف العلماء والدعاة والمصلحين المعتقلين في سجون الطغاة بلا تهمة إلا تهمة الفكر الداعشي والإرهاب التي أثبتها الدكتور المسعري بلا دليل وبالمجان؟

فلا تحتاج الأنظمة الخليجية الوظيفية إلى شهادة أحد بعد شهادة المسعري بأن كل هؤلاء الإسلاميين المعتقلين والمحاصرين بتهمة الإرهاب هم فعلا يحملون الفكر الوهابي الداعشي!

وأن (أحزاب الأمة) التي تم تصنيفها وإدراجها بقوائم الإرهاب هي فعلا تحمل فكر داعش كما يدعي المسعري!

ولم يقف المسعري عند هذا الحد بل وصل به الغلو إلى اتهام الإمام أحمد بن حنبل مرورا بابن تيمية بالغلو والتطرف (https://goo.gl/XDKZuM ، https://goo.gl/GCKgDs )، وهو بهذا التوصيف يتوافق علم أم لم يعلم مع التوصيف الذي استندت إليه القوى الدولية الصليبية والثورة المضادة لمواجهة قوى الثورة العربية في كل ساحاتها تحت شعار الحرب على التطرف والإرهاب.

بل وصل الأمر بالدكتور المسعري إلى حد وصف دعوة الشيخ محمد بن عبدالوهاب وأهلها ومؤسساتها بالكنيسة النجدية ليقع هو نفسه في التكفير والغلو الذي يتهم به مخالفيه ليستمر في التناقض في أقواله ومواقفه وكأنه لا يشعر فهو يغلو في تحذيره من الغلو حتى كفر وبدع مخالفيه كما يفعل بابوات الكنائس الكاثوليكية!

ألا يدرك د المسعري بأن فتنة التصنيف والتبديع التي يتولى كبرها اليوم – ووصف بها كل من يثني على الإمام ابن تيمية بالغلو وعلى الشيخ محمد بن عبدالوهاب بالوهابية والخارجية وربطه بداعش – تطال الآلاف المعتقلين من أبناء الدعوة الإسلامية الذين يرفضون الوجود الأجنبي في جزيرة العرب، ويرفضون صفقة القرن التي طرحها ترمب للتطبيع مع إسرائيل وإنهاء ثورة الربيع العربي؟ ليقدم المسعري بحملته الظالمة هذه هؤلاء المصلحين والمجاهدين والمعتقلين قرابين للثورة المضادة والمحتل الأجنبي؟

ما أعلنه د المسعري من حرب على أتباع دعوة الشيخ محمد بن عبدالوهاب وهم بالملايين لا تخدم إلا الأهداف التي تسعى أمريكا لتحقيقها في الخليج عبر فرض الليبرالية والتغريب بدعوى مواجهة التطرف وفقا لتقرير معهد راند الأمريكي حول الإسلام المعتدل لمواجهة قوى المقاومة لها ودعم الفرق الإسلامية التي تتوافق مع الرؤية الأمريكية لمستقبل المنطقة العربية.

وسواء أدرك المسعري وحزبه خطورة اتهام (مؤتمر الأمة) وأحزاب الأمة في الخليج والجماعات الإسلامية والسلفية والجهادية بالدعشنة والتطرف أم لم يدرك فالنتيجة واحدة وهي التهيئة بهذا الخطاب الفكري والإعلامي لقوى الاحتلال والثورة المضادة لضرب الجميع بتهمة الإرهاب التي يؤكدها المسعري بحملته المشبوهة واتهاماته الباطلة.

إن أخطر ما يطرحه المسعري وغيره من مدعي العلم بالتاريخ هو الجهل المركب بالأحداث التاريخية لما مرت به الخلافة العثمانية ومنطقة الخليج العربي خاصة في زمن الشيخ محمد بن عبد الوهاب والذي جاءت دعوته الإصلاحية ضمن سياق أكبر وأوسع على مستوى الخلافة العثمانية التي أطلق حينها الخليفة سليم الثالث مشروعه الإصلاحي (النظام الجديد) والذي أيده وناصره دعاة الإصلاح والتحديث في اسطنبول نفسها، في حين عارضه المتعصبون المذهبيون. انظر “تاريخ الدولة العثمانية ج1” يلماز أوزتونا.

وواكب مشروع الخليفة سليم الثالث الإصلاحي حركة إصلاح سياسي في مصر قادها الأزهر وزعماء مصر ووضعوا وثيقة سياسية إصلاحية مع الأمراء المماليك، ودعوات إصلاحية على مستوى الدولة عقائدية وفقهية وفكرية وعلمية حضارية تصدى لها الإمام محمد بن عبد الوهاب والإمام الصنعاني ثم الشوكاني والمؤرخ الجبرتي الكبير والإمام عبدالقادر البغدادي وغيرهم لتبدأ دولة الخلافة بالدخول في عصر النهضة والتي أدرك الغرب الصليبي حينها خطورة اكتمال هذه الحلقات فجاءت الحملة الفرنسية على مصر لتضرب هذه النهضة المرتقبة في الصميم. انظر “رسالة الطريق إلى ثقافتنا” محمود شاكر.

ومع هذه الحملة الفرنسية بدأ عصر الاستعمار والتدخل المباشر.

وفي منطقة الخليج العربي وبعد وفاة الشيخ محمد بن عبد الوهاب وسقوط الدرعية لاحقا على يد محمد علي باشا انفتح الطريق أمام بريطانيا للدخول لمنطقة الخليج العربي مع إنهيار مقاومة القواسم بعد سقوط الدرعية التي كانت تقف معهم وغياب الدعوة عن المشهد السياسي بعد أن ساندت القواسم وألهبت في نفوسهم الجهاد لمواجهة الحملة البريطانية. انظر “تاريخ الخليج العربي الحديث والمعاصر ج1” د. جمال زكريا قاسم.

هذه هي الحقائق التاريخية حول دور دعوة الإمام محمد بن عبدالوهاب في الإصلاح والجهاد ومقاومة المحتل تحت ظل الخلافة الإسلامية لا كما يزعم المسعري ومؤيدوه بأن بريطانيا كانت وراء ظهور الدعوة الوهابية في ذلك العصر مع أن بريطانيا لم تدخل المنطقة إلا لاحقا!

لقد تورط في هذه الحملة الدولية والإقليمية الضارية – على الإسلام والسنة والسلفية والوهابية والتبشير بالإسلام الأمريكي الوسطي – دول عربية وظيفية وفرق باطنية وقد جاءت حملاتها الإعلامية في سياق الحملة الصليبية والثورة المضادة على الثورة العربية، وقد دعا تقرير راند الأمريكي إلى ضرورة التحالف والتعاون في المنطقة بين أمريكا والفرق الشيعية والصوفية والمذاهب الفقهية التقليدية لمواجهة التطرف!

وقد عقدت المؤتمرات العلمية كمؤتمر ماردين ومؤتمر الشيشان لمواجهة ثورة الأمة على المستوى الفكرى بالتزامن مع الحملات الصليبية العسكرية التي تدك مدن الشام والعراق.

والمتابع للساحة يدرك مدى تورط كثير من هؤلاء – شعروا أو لم يشعروا – في حملة فكرية مشبوهة وتوظيفهم لمواجهة الثورة العربية وقواها، ولا تكاد تجد في أدبيات هؤلاء ما يعلنون فيه بوضوح وشفافية بوقوفهم مع الأمة وثورتها بل يدعون بأن دعواهم هذه لمواجهة الغلو لتطهير الثورة منه، والحقيقة أن الثورة أحوج للتطهير من فتنتهم وحملاتهم المشبوهة.

ولم يدرك هؤلاء المفتونون بأن هذه الحملات الفكرية والسياسية المشبوهة لم تعد تنطلي على شعوب الأمة وقواها وسيسقط أصحابها كما سقط الذين في قلوبهم مرض من قبلهم، فالأمة وشعوبها ومع ثورة الربيع العربي أكثر وعيا وإدراكا لطبيعة المعركة مع عدوها التاريخي الذي أسقط الخلافة العثمانية الإسلامية بحملته الصليبية وأنشأ منظومة وظيفية سياسية وعسكرية وقضائية وفكريةْ.

وأنا أربأ بالدكتور المسعري أن يتورط في هذا المشروع الأمريكي وألا يكون في آخر عمره ومن حيث لا يشعر ممن يحارب في خندقها طواحين الإرهاب.

(وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَّا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنكُمْ خَاصَّةً)

الثلاثاء27 جمادى الأولى 1439هـ 13 / 2 / 2018م

أضف تعليق

إنشاء موقع إلكتروني أو مدونة على ووردبريس.كوم قالب: Baskerville 2 بواسطة Anders Noren.

أعلى ↑