الجزية في العهد الجديد!!

(الجزيّة لمن له الجزية، الجباية لمن له الجباية) بولس الرسول لأهل روما


غيب الخطاب الإستشراقي الاستعماري حقيقة وجود الجزية كنص في العهد الجديد من الكتاب المقدس، واتهم الإسلام بأنه يأخذ الجزية على أهل الكتاب ويصفها بأنها نوع من الإستعباد والإذلال ويستدلون بقول الله عز وجل ﴿حَتَّىٰ يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَن يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ﴾ بالرغم من أن معنى الآية مخالف لوصفهم بأنها نوع من الاستعباد فهي كما شرحها شيخ المفسرين الطبري (حتى يعطوا الخراجَ عن رقابهم، الذي يبذلونه للمسلمين دَفْعًا عنها) وإن كان الفقهاء توسعوا في معناها وجعلوها مرتبطة بالمواطنة وحقوقها كمصطلح معاصر “انظر تحرير الإنسان وتجريد الطغيان ص453-457-د حاكم المطيري”، وأما قوله تعالى ‏﴿وَهُمْ صَاغِرُونَ ﴾ أي خاضعون لحكم الإسلام وإنما جاء هذا اللفظ في سياق آيات الجهاد ومن يقاتله المسلمون فناسب اللفظ لهذا السياق وإلا فعموم النصوص تأمر بالعدل والإحسان للجميع بما فيهم من يدفع الجزية والتزم المسلمون ذلك في الممارسة العملية وأشهر قصة في هذا السياق قصة الفاروق عمر بن الخطاب رضي الله عنه مع شيخ من أهل الذمة فيما رواه القاسم بن سلام (بلغني أن أمير المؤمنين عمر مر بشيخ من أهل الذمة يسأل على أبواب الناس، فقال: «ما أنصفناك، أن كنا أخذنا منك الجزية في شبيبتك ثم ضيعناك في كبرك،» قال: ثم أجرى عليه من بيت المال ما يصلحه) “كتاب الأموال ج1 ص56” فدلت هذه السنة العمرية على أن الجزية إنما هي مقابل لما تقوم به الدولة من حماية ورعاية لأصحابها فإذا عجزوا وجب على الدولة تحمل تكاليف المعيشة وهو ما يشابه اليوم الراتب التقاعدي، فهذه سنة عمر الفاروق المشهورة والثابتة عنه وأما ما عرفت بالشروط العمرية فلا أصل لها وما ورد فيها باطل وموضوع “انظر تحرير الإنسان وتجريد الطغيان ص380- د حاكم المطيري”.

لقد جاء في رسالة بولس الرسول إلى أهل رومية -روما- في الإصحاح 13 (فإنكم لأجل هذا توفون الجزيّة أيضًا، إذ هم خدّام الله مواظبون على ذلك بعينه؛ فأعطوا الجميع حقوقهم، الجزيّة لمن له الجزية، الجباية لمن له الجباية، الخوف لمن له الخوف، والإكرام لمن له الإكرام” ونص العالم المسيحي الكبير يوحنا ذو الفم الذهبي في شرحه على (أن التزام الشخص بدفع الجزية إنما هذا لصالحه، لأن الحكام “هم خدام الله مواظبون على ذلك بعينه”، يسهرون مجاهدين من أجل سلام البلد من الأعداء ومن أجل مقاومة الأشرار كاللصوص والقتلة. فحياتهم مملوءة أتعابًا وسهر. بينما تدفع أنت الجزية لتعيش في سلام يُحرم منه الحكام أنفسهم) “سلسلة من تفسير وتأملات الآباء الأولين” القمص تادرس يعقوب ملطي…

وهكذا نجد بأن المعنى للجزية متقارب سواء عند أهل الإسلام أو أهل الكتاب مما يدل على دور الخطاب الاستشراقي الخطير في محاربة الإسلام وتشويهه ‏﴿وَإِنَّ فَرِيقًا مِّنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ﴾ …

ومع هذا نجد أتباعهم من بني جلدتنا ممن يتبنون ثقافتهم وعلمانيتهم يكررون طروحات هذا الخطاب الإستشراقي ويطرحون قضية الجزية كمثلب يطعنون بها الدعوة لتحكيم الشريعة بحجة تصادمها مع حقوق المواطنةوهي في حقيقتها في صلب مسألة المواطنة في الإسلام…

إن الجزية وإن وافق شراح الكتاب المقدس في المعنى مع أهل التفسير، إلا أن تطبيقات الجزية في الإسلام كانت أكثر رقيا وضبطا وحفظا لحقوق أهل الكتاب وإرتباطها بحقهم في ممارسة شعائرهم بلا تضييق وفق القاعدة القرآنية ﴿لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ﴾، ولو نظرنا لعهد الخلافة العثمانية القريب لوجدنا هذه المعاملة العادلة مقننة ضمان قوانين أهل الذمة في الدولة بالرغم من دورهم الخطير الذي لعبوه في إضعاف الخلافة من الداخل، ومع هذا فقد التزمت الخلافة العثمانية بالأحكام الشرعية لأهل الذمة ولم تتجاوزها وحافظت على مواطنتهم وحمتهم من التجاوزات ودفعت ثمن ذلك بسقوطها…

في حين لو نظرنا للطرف الأخر في الإمبراطوريات المسيحية لوجدنا الحرب على المسلمين ومنعهم من حقوق المواطنة وترتكب بحقهم المجازر والتهجير ومحاكم التفتيش كما في الأندلس والقوقاز وآسيا الوسطى والبلقان في حملات صليبية باسم المسيح …

إنه لفرق لمن يرى هذا التاريخ بين جزية تدفع مقابل حماية وحفظ للنفس والأموال والدين والحقوق كما في الخلافة الإسلامية وجزية تدفع في ظل استعباد وجرائم حرب كما في الحملات الصليبية للأمبراطوريات المسيحية الاستعمارية…

إن النظر والبحث في الجزية وأحكامها وتاريخها يكشف لنا عدل الإسلام وخلافته وطغيان الغرب وجرائمه، وأما في واقعنا المعاصر فكما قال صاحب الظلال الشهيد سيد قطب (إنها قضية تعتبر اليوم تاريخية وليست واقعية .. إن المسلمين اليوم لا يجاهدون ! .. ذلك أن المسلمين اليوم لا يوجدون !.. إن قضية وجود الإسلام ووجود المسلمين هي التي تحتاج اليوم إلى علاج !)”في ظلال القرآن ج3 ص1634″…

ويبدو أن روح سيد قطب وفكره قد سرت من ظلال القرآن إلى الأمة وثورتها التاريخية على الاحتلال والاستبداد والطغيان كعلاج لقضية وجود الإسلام ووجود المسلمين…

الأحد 21 ذو الحجة 1439هـ

2 / 9 / 2018

اترك تعليقًا

إملأ الحقول أدناه بالمعلومات المناسبة أو إضغط على إحدى الأيقونات لتسجيل الدخول:

شعار ووردبريس.كوم

أنت تعلق بإستخدام حساب WordPress.com. تسجيل خروج   /  تغيير )

Facebook photo

أنت تعلق بإستخدام حساب Facebook. تسجيل خروج   /  تغيير )

Connecting to %s

إنشاء موقع إلكتروني أو مدونة على ووردبريس.كوم قالب: Baskerville 2 بواسطة Anders Noren.

أعلى ↑

%d مدونون معجبون بهذه: