هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ…

هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ…

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى :

(مُنْذُ أَنَّ بَعَثَ اللَّهَ تَعَالَى مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَعَزَّهُ بِالْهِجْرَةِ وَالنُّصْرَةِ صَارَ النَّاسُ ثَلَاثَةَ أَقْسَامٍ:

قِسْمًا مُؤْمِنِينَ وَهُمْ الَّذِينَ آمَنُوا بِهِ ظَاهِرًا وَبَاطِنًا.

وَقِسْمًا كُفَّارًا وَهُمْ الَّذِينَ أَظْهَرُوا الْكُفْرَ بِهِ.

وَقِسْمًا مُنَافِقِينَ وَهُمْ الَّذِينَ آمَنُوا ظَاهِرًا لَا بَاطِنًا.

وَلِهَذَا افْتَتَحَ ” سُورَةَ الْبَقَرَةِ ” بِأَرْبَعِ آيَاتٍ فِي صِفَةِ الْمُؤْمِنِينَ وَآيَتَيْنِ فِي صِفَةِ الْكَافِرِينَ. وَثَلَاثَ عَشْرَةَ آيَةً فِي صِفَةِ الْمُنَافِقِينَ، وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْ الْإِيمَانِ وَالْكُفْرِ وَالنِّفَاقِ لَهُ دَعَائِمُ وَشُعَبٌ…

وَهَذَا الْقَدْرُ -أي من النفاق- كَانَ مَوْجُودًا فِي زَمَنِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَا زَالَ بَعْدَهُ؛ بَلْ هُوَ بَعْدَهُ أَكْثَرُ مِنْهُ عَلَى عَهْدِهِ؛ لِكَوْنِ مُوجِبَاتِ الْإِيمَانِ عَلَى عَهْدِهِ أَقْوَى. فَإِذَا كَانَتْ مَعَ قُوَّتِهَا وَكَانَ النِّفَاقُ مَعَهَا مَوْجُودًا فَوُجُودُهُ فِيمَا دُونَ ذَلِكَ أَوْلَى.

وَكَمَا أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَعْلَمُ بَعْضَ الْمُنَافِقِينَ وَلَا يَعْلَمُ بَعْضَهُمْ كَمَا بَيَّنَهُ قَوْلُهُ‏ تَعَالَى ﴿وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَرَدُوا عَلَى النِّفَاقِ لَا تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ﴾ كَذَلِكَ خُلَفَاؤُهُ بَعْدَهُ وَوَرَثَتُهُ: قَدْ يَعْلَمُونَ بَعْضَ الْمُنَافِقِينَ وَلَا يَعْلَمُونَ بَعْضَهُمْ، وَفِي الْمُنْتَسِبِينَ إلَى الْإِسْلَامِ مِنْ عَامَّةِ الطَّوَائِفِ مُنَافِقُونَ كَثِيرُونَ فِي الْخَاصَّةِ وَالْعَامَّةِ وَيُسَمَّوْنَ ” الزَّنَادِقَةَ “. وَقَدْ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي قَبُولِ تَوْبَتِهِمْ فِي الظَّاهِرِ لِكَوْنِ ذَلِكَ لَا يُعْلَمُ إذْ هُمْ دَائِمًا يُظْهِرُونَ الْإِسْلَامَ. وَهَؤُلَاءِ يَكْثُرُونَ فِي الْمُتَفَلْسِفَةِ: مِنْ الْمُنَجِّمِينَ وَنَحْوِهِمْ. ثُمَّ فِي الْأَطِبَّاءِ. ثُمَّ فِي الْكُتَّابِ أَقَلُّ مِنْ ذَلِكَ. وَيُوجِدُونَ فِي الْمُتَصَوِّفَةِ وَالْمُتَفَقِّهَةِ وَفِي الْمُقَاتِلَة وَالْأُمَرَاءِ وَفِي الْعَامَّةِ أَيْضًا. وَلَكِنْ يُوجِدُونَ كَثِيرًا فِي نِحَلِ أَهْلِ الْبِدَعِ) مجموع الفتاوى جزء 28 ص 433-435…

هكذا وصف شيخ الإسلام رحمه الله حال الناس في فترة مواجهة الأمة للغزو التتاري والذي استمر قرنا من الزمان والتي عاصرها رحمه الله ووصف ما حل بديار الإسلام وظهور الكفر والنفاق والزندقة في ظل غزو التتار فقال رحمه الله (فَيَنْبَغِي لِلْعُقَلَاءِ أَنْ يَعْتَبِرُوا بِسُنَّةِ اللَّهِ وَأَيَّامِهِ فِي عِبَادِهِ. وَدَأْبُ الْأُمَمِ وَعَادَاتُهُمْ لَا سِيَّمَا فِي مِثْلِ هَذِهِ الْحَادِثَةِ الْعَظِيمَةِ-غزو التتار- الَّتِي طَبَّقَ الْخَافِقَيْنِ خَبَرَهَا وَاسْتَطَارَ فِي جَمِيعِ دِيَارِ الْإِسْلَامِ شَرَرُهَا وَأَطْلَعَ فِيهَا النِّفَاقُ نَاصِيَةَ رَأْسِهِ وَكَشَّرَ فِيهَا الْكُفْرُ عَنْ أَنْيَابِهِ وَأَضْرَاسِهِ وَكَادَ فِيهِ عَمُودُ الْكِتَابِ أَنْ يَجْتَثَّ وَيَخْتَرِمَ. وَحَبْلُ الْإِيمَانِ أَنْ يَنْقَطِعَ وَيَصْطَلِمَ. وَعُقْرُ دَارِ الْمُؤْمِنِينَ أَنْ يَحِلَّ بِهَا الْبَوَارُ. وَأَنْ يَزُولَ هَذَا الدِّينُ بِاسْتِيلَاءِ الْفَجَرَةِ التَّتَارِ. وَظَنَّ الْمُنَافِقُونَ وَاَلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ أَنَّ مَا وَعَدَهُمْ اللَّهُ وَرَسُولُهُ إلَّا غُرُورًا. وَأَنْ لَنْ يَنْقَلِبَ حِزْبُ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إلَى أَهْلِيهِمْ أَبَدًا وَزُيِّنَ ذَلِكَ فِي قُلُوبِهِمْ وَظَنُّوا ظَنَّ السَّوْءِ وَكَانُوا قَوْمًا بُورًا) مجموع الفتاوى جزء 28 ص 427…

وكأن شيخ الإسلام ان تيمية رحمه الله يصف ما تتعرض له الأمة منذ قرن من احتلال صليبي لأرض الإسلام ووطئت جحافل جيوشه مدنه ومقدساته ونهبت ثروات الأمة…

ونشاهد في أحداث عصرنا ما هو أعجب من أحداث عصر ابن تيمية، فالمشهد اليوم في عالمنا العربي والإسلامي جمع بين والردة والصليبية والباطنية في حلف شيطاني…

فمع سيطرة الحملة الصليبية الأخيرة على العالم الإسلامي والعربي وإسقاطها الخلافة العثمانية الإسلامية بعد الحرب العالمية الأولى مع تسلم غارلاند البريطاني لمفاتيح المدينة المنورة عام 1918م كآخر مدينة سقطت بيد الحملة الصليبية، حينئذ بدأ مشهد الردة الأولى يعود من جديد تحت حماية الحملة الصليبية التي أعادت تشكيل النظام السياسي والقضائي والفكري والعلمي في أرض الإسلام بشكل لم تعهده الأمة في ناريخها منذ ظهور الإسلام ليتوج الغرب نصره المزعوم بزيارة بابا روما لجزيرة العرب ومهد الإسلام ليعلن منها باسم المسيح السلام الصليبي على العالم كما أعلنت روما من قبل سلامها الروماني ليتم استعباد الشعوب ونهب ثوراتها باسم السلم والنظام الدولي…

إن مشهد دخول بابا روما جزيرة العرب عام 2019 هو نفسه مشهد دخول اللنبي القدس ودمشق عام 1917 والجنرال مود بغداد عام 1917 والكابتن غارلاند المدينة المنورة عام 1918م، والأمة وشعوبها منذ سقوط خلافتها ودولتها وهي تواجه هذه الحملة الصليبية المستمرة وأدواتها الوظيفية لتتوج جهادها اليوم بالثورة العربية والنهضة التركية والمقاومة الأفغانية وفي كل الساحات وسيكتب الله لها النصر والتمكين بعد أن عرفت طريق الثورة والجهاد وانكشف لها مشهد الردة والنفاق…

‏﴿إِنَّ الَّذِينَ يُحَادُّونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَٰئِكَ فِي الْأَذَلِّينَ كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي ۚ إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ

سيف الهاجري

الجمعة 3 جمادى الآخرة 1440هـ

8 / 2 / 2019م

#معركة_التوحيد

اترك تعليقًا

إملأ الحقول أدناه بالمعلومات المناسبة أو إضغط على إحدى الأيقونات لتسجيل الدخول:

شعار ووردبريس.كوم

أنت تعلق بإستخدام حساب WordPress.com. تسجيل خروج   /  تغيير )

Facebook photo

أنت تعلق بإستخدام حساب Facebook. تسجيل خروج   /  تغيير )

Connecting to %s

إنشاء موقع إلكتروني أو مدونة على ووردبريس.كوم قالب: Baskerville 2 بواسطة Anders Noren.

أعلى ↑

%d مدونون معجبون بهذه: