الغولونيون العرب.. وانهيار المشروع الوظيفي

الغولونيون العرب.. وانهيار المشروع الوظيفي

مع الحملة الفرنسية على مصر 1798- 1801م بدأ الاختراق الثقافي والفكري الغربي للعالم الإسلامي والعربي والذي دشنه نابليون بونابرت بوصيته للجنرال كليبر بجمع مئات الشباب من أبناء وجهاء مصر وإرسالهم لفرنسا ليروا حضارتها ويتشربوا من ثقافتها ليكونوا حزبا لفرنسا في مصر (رسالة في الطريق إلى ثقافتنا – محمود شاكر)…

وبدأت على إثرها تنطلق البعثات العلمية للجامعات الغربية منذ تلك الحملة الصليبية المشؤومة إلى يومنا هذا لنرى أثرها الخطير قد امتد ليصل إلى الجماعات الإسلامية التي نشأت من أجل إعادة الأمة لدينها وهويتها وسيادتها فطال عليها الأمد ودخلها الانحراف الفكري والسياسي بعد دراسة آلاف الشباب من كوادرها في الغرب وعودتهم بروح مأسورة للغرب مبهورة بثقافته لتصبح هذه الجماعات جزءا من المنظومة العربية السياسية والفكرية التي أسستها القوى الاستعمارية بعد سقوط الخلافة العثمانية.

فالغولونية العربية اليوم ليست نبتا جديدا ظهرت فجأة مع مرحلة كامب ديفيد وإنما هي آخر إصدار لمراكز التفكير الأوربية والأمريكية لإعادة صياغة العقل العربي والفكر الإسلامي بما تتطلبه المرحلة الراهنة لمواجهة الثورة العربية كما واجهت الغولونية من بنسلفانيا حركة تحرر الشعب التركي من النفوذ الأمريكي!

لقد بدأ إبراز دعاة الغولونية العربية المعاصرة ففتحت لهم المنابر وقنوات الإعلام بعد مؤتمر مدريد 1992م ثم بعد احتلال أفغانستان 2001 والعراق 2003 لمواجه القوى الجهادية الرافضة للاحتلال والتطبيع…

فظهر في الساحة أثر تحالف المال والإعلام برعاية أمريكية مع الدعاة الجدد خاصة في دول الخليج العربي – وهي قاعدة المحتل الغربي – كقنوات الجزيرة والعربية والرسالة والأم بي سي والتي فتحت منابرها لدعاة الغولونية العرب من علماء ودعاة ومفكرين لتغييب الوعي وشرعنة الواقع ورفض جهاد المحتل.

وطرحت في الساحة الإسلامية مشاريع خطيرة لإعادة إنتاج الفكر الإسلامي المعاصر كمشروع النهضة الذي ينشر القيم المادية للحضارة الغربية وصرف الشباب عن قيم الجهاد والمقاومة والزهد والتضحية والإيثار وتوجيههم نحو قيم الحضارة المادية الغربية كحب الذات والروح الفردية والتهافت على جمع الأموال حتى أصبحت الدعوة إلى الله طريقا للثراء وتجارة رائجة .

وتم تأسيس اتحادات وهيئات علمائية شعبية لشرعنة الواقع القطري والوطني كالاتحاد العالمي لعلماء المسلمين.

فالغولونية العربية بجماعتها ودعاتها واتحاداتها ومشاريعها اتصفت بالآتي :

•الترويج لخطاب علي عبدالرازق بأنه لا خلافة ولا نظام سياسي في الإسلام والقبول بالواقع القطري والوطني والدولي.

• القبول بالدساتير العلمانية وعزل تحكيم الشريعة باسم الحرية والديمقراطية.

• التعايش مع المحتل باسم شرعية النظام الدولي.

• رفض الجهاد ومحاربة الحركات الجهادية تحت شعار مكافحة العنف والإرهاب والتطرف.

وبهذا فالغولونية العربية لم تخرج عن شروط اللورد كرزون وزير خارجية بريطانيا التي فرضها على تركيا عام 1921م والتزمت بها وبأهم بنودها وهي:

•قطع تركيا صلتها بالإسلام.

•إلغاء الخلافة.

•محاربة كل حركة مناصرة للخلافة وتدعو لها.

•إلغاء تحكيم الشريعة ووضع دستور علماني.

• منع الجهاد والحرب الهجومية .

فشروط اللورد كرزون البريطاني (انظر مذكرات المفتي محمد أمين الحسيني ص212) أصبحت هي المرجعية الحاكمة والضابطة للواقع السياسي والفكري والثقافي في العالم الإسلامي وعليها تم بناء المنظومة العربية ككل سواء الدول أو الجماعات التي يسمح لها بالعمل تحت سقفها ولا زالت هذه الشروط سارية المفعول إلى يومنا هذا.

لقد فجرت الثورة العربية هذا الواقع المصطنع من الداخل وخاصة واقع الجماعات الإسلامية ومفكريها التي تفاجأ شبابها بمدى عمق التوظيف الذي يحكمها وارتباطها بالمنظومة العربية وعقدها للصفقات السياسية في كل ساحات الثورة خاصة مع موجة الثورة المضادة.

إن المتأمل في أحداث التاريخ المعاصر وخاصة بعد احتلال بريطانيا لمصر عام 1882م وتولى المبشر دنلوب للتعليم وتشكيله لطبقة ونخبة علمية وظيفية وسقوط الخلافة وتشكيل النظام العربي يدرك بأن هذه الجماعات وأنشطتها لم تكن خارج عن هذا الواقع المحكوم من القوى الغربية.

فالغولونية بدعوتها ومشاريعها ليست وليدة نتاج حراك مجتمعاتنا وتطورها بل هي وريثة مشاريع نابليون والمبشر دانلوب واللورد كرزون ومراكز الاستشراق الغربية وآخرها مركز راند الذي أوصى بتعميم نموذج فتح الله غولن وجماعته وتقديم الدعم لها لتصبح الغولونية فكرا وتنظيما في عالمنا العربي والإسلامي الرديف لمشروع المحتل الغربي وأنظمته الوظيفية!

سيف الهاجري

الخميس 20 شعبان 1440هـ

25 / 4 / 2019م

اترك تعليقًا

إملأ الحقول أدناه بالمعلومات المناسبة أو إضغط على إحدى الأيقونات لتسجيل الدخول:

شعار ووردبريس.كوم

أنت تعلق بإستخدام حساب WordPress.com. تسجيل خروج   /  تغيير )

Facebook photo

أنت تعلق بإستخدام حساب Facebook. تسجيل خروج   /  تغيير )

Connecting to %s

إنشاء موقع إلكتروني أو مدونة على ووردبريس.كوم قالب: Baskerville 2 بواسطة Anders Noren.

أعلى ↑

%d مدونون معجبون بهذه: