التصعيد الأمريكي في الخليج والأهداف الحقيقية!

التصعيد الأمريكي في الخليج والأهداف الحقيقية!

تحشد أمريكا أساطيلها وجيوشها في مياه الخليج العربي بحجة مواجهة الخطر الإيراني على مصالح أمريكا وحلفائها في مشهد سريالي حير المتابعين في ماهية وطبيعة هذا الصراع وأحداثه

فأمريكا نفسها فتحت الطريق للنظام الإيراني ومليشياته الطائفية لدخول العراق لمواجهة المقاومة العراقية وسوريا لمواجهة ثورة الشعب، وفي لبنان أمريكا وحلفاؤها الخليجيون يرعون الحكومة التي تضم حزب الله الذي له ثلث معطل في هذه الحكومة التي يرأسها سني حسب الدستور اللبناني، وفي اليمن فتحت أمريكا وحلفاؤها بالمبادرة الخليجية والرعاية الدولية الطريق لحركة الحوثي حليفة إيران لدخول صنعاء للسيطرة على المشهد السياسي بدعم الجيش اليمني ورجال علي صالح في الدولة العميقة، وفي أفغانستان وقفت إيران مع التحالف الشمالي ودعمت الاحتلال الأمريكي وتفاهموا على إسقاط الإمارة الإسلامية (طالبان)

هذه التفاهم والتعاون الإقليمي بين أمريكا وإيران منذ عقود يجعل من الصعب التصديق بأن إيران تشكل خطرا على النفوذ الأمريكي في المنطقة

لذا لا بد من قراءة مختلفة لما يجري في الخليج وربطه بما يحدث في المنطقة عموما من الثورة العربية إلى النهضة التركية حينها سنفهم طبيعة هذه الأحداث التي تشهدها المنطقة من الخليج إلى تركيا

إن الخليج العربي يأتي في المرتبة الأولى من حيث الأهمية الاستراتيجية للنفوذ الأمريكي في المنطقة بل وفي العالم ولا نبالغ لو قلنا أنه يتقدم إسرائيل نفسها، ببعده الديني بوجود الحرمين وتأثيرهما في توجيه الرأي العام الإسلامي، وببعده الإقتصادي بما يملك من مصادر الطاقة (النفط والغاز) واعتماد العالم الصناعي عليه، وببعده الجغرافي وموقعه الاستراتيجي في قلب الشرق الأوسط

ولهذه الأبعاد كلها تأتي أمريكا بهذا الحشد العسكري والحملة الإعلامية :

لحماية الخليج العربي من أي تهديدات أو أخطار داخلية تمثلها الثورة العربية وامتدادها للخليج العربي

ولتأكيد حضورها العالمي بعد مشهد تراجعها السياسي في عدة ساحات دولية واستخدام ورقة الطاقة في قضايا دولية كالحرب التجارية مع الصين والعلاقات مع أوربا وروسيا

وإبعاد أي نفوذ للقوى الكبرى كالصين والتي عقدت اتفاقيات إقتصادية مع بعض دول الخليج كمقدمة لدخولها المنطقة

وتحجيم التمدد الإيراني وضبط إيقاعه ليبقى ضمن الدور الوظيفي المرسوم له إقليميا

والاستعداد العسكري والسياسي للإعلان عن مشروع صفقة القرن

فصفقة القرن التي أعلنها الرئيس ترامب لا يمكن أن تنجح وتحقق أهدافها في ظل الثورة العربية ولا في ظل تحرر تركيا بقرارها السياسي ونهضتها الإقتصادية

ولهذا فإنهاء الثورة العربية هو هدف إستراتيجي لأمريكا والقوى الكبرى الأخرى ولذا تقاسمت هذه القوى ملفات الثورة العربية فيما بينها لإنهائها وإعادة إنتاج النظام العربي من جديد

وأما تركيا فهي تواجه ما تواجهه الثورة العربية من تآمر دولي على كل المستويات ومن خلال أدوات وظيفية من جماعات وأحزاب وظيفية داخل تركيا وخارجها وهذا ما كشفه الانقلاب العسكري والانتخابات الأخيرة وخاصة ما جرى في انتخابات بلدية اسطنبول وتباكي الجماعات الوظيفية على الديمقراطية وكأن ما تواجهه تركيا ليس حملة دولية وإقليمية تريد إرجاعها لحظيرة النفوذ الأمريكي والغربي كما كانت من قبل

إن من أهم ما تسعى إليه أمريكا اليوم هو إعادة ترتيب المنطقة دولها وأنظمتها لحماية نفوذها وهيمنتها التي اهتزت مع قيام الثورة العربية، ولذا تعمل أمريكا ومعها القوى الغربية على تغيير المنظومة السياسية التي انتجتها الثورة العربية ببعدها الإسلامي ووقف تحرر تركيا وتقدمها، وتغيير النظام الإيراني الديني ليأتوا بالقوى الليبرالية والعلمانية واليسارية التقدمية الوظيفية لتحكم دول المنطقة من جديد برعاية غربية

فالذي يجري في الخليج اليوم ليس ببعيد عما يجري في تركيا وما يجري في ساحات الثورة العربية، فهي حلقات بدأت تتصل وتتكامل تسعى القوى الكبرى إلى عزلها من جديد لتعيدها جزر منفصلة عن بعضها البعض كما كانت لقرن من الزمان منذ سقوط الخلافة العثمانية وإقامة جدار عازل بين العرب وتركيا تحميه قوى وظيفية من أنظمة وجماعات

﴿ وَقَدْ مَكَرُوا مَكْرَهُمْ وَعِندَ اللَّهِ مَكْرُهُمْ وَإِن كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبَالُ

سيف الهاجري

الأربعاء 10 رمضان 1440هـ

15 / 5 / 2019م

أضف تعليق

إنشاء موقع إلكتروني أو مدونة على ووردبريس.كوم قالب: Baskerville 2 بواسطة Anders Noren.

أعلى ↑