القوى الصليبية…وتبادل الأدوار !
تشكل إستراتيجية الحملة الصليبية البريطانية الفرنسية وأهدافها في الحرب العالمية الأولى – والتي أسقطت الخلافة الإسلامية وتقاسمت أقاليمها – المنطلق لكل الأدوار التي تقوم بها اليوم القوى الدولية (أمريكا وروسيا وبريطانيا وفرنسا) لمواجهة الثورة العربية والنهضة التركية.فالقوى الصليبية منذ الحملات الصليبية الأولى وهي تتبادل الأدوار في شن حملاتها على العالم الإسلامي، وكلما تراجعت إحداها سياسيا وعسكريا تقدمت أخرى وهكذا.
فبعد انهيار بريطانيا وفرنسا وتراجع قوتهما بعد الحرب العالمية الثانية تقدمت أمريكا والاتحاد السوفيتي ليرثوا مستعمراتها بنظام دولي جديد (هيئة الأمم ومجلس الأمن) تحت شعار الليبرالية الرأسمالية والاشتراكية الشيوعية، حتى بعد موجة ثورة الشعوب الإسلامية من أجل استقلال بلدانها، تم منحها سيادة صورية تحت نفوذ القوى الدولية لتستمر الهيمنة الصليبية على العالم الإسلامي والعربي بوجه جديد للنظام الدولي من خلال مؤسسات دولية تحافظ على هذه الهيمنة بإعطاء الدول المستقلة أدوار وهمية لا تغير من واقع منظومة المجتمع الدولي شيئا، وانتهى القرن العشرين كقرن للهيمنة الليبرالية الرأسمالية الصليبية مع إعلان كل من الرئيس بوش الأب قيام النظام الدولي الجديد والمفكر الأمريكي فرانسيس فوكوياما نهاية التاريخ بانتصار الرأسمالية الليبرالية وهيمنتها على النظام الدولي ومؤسساته.
لكن العالم المستسلم للهيمنة الغربية الصليبية تفاجأ، بعد عقد من إعلان الغرب نهاية التاريخ وانتصاره المزعوم، بجهاد الأمة وهزيمتها لأمريكا في أفغانستان والعراق، وأفشلت مخطط حملة بوش الابن الصليبية لإعادة تشكيل الشرق الأوسط من جديد وفق رؤى مسيحية صهيونية.
فهذه الهزيمة التاريخية لأمريكا والنيتو في أفغانستان والعراق والتي كلفت أمريكا ما يقارب خمسة تريليونات دولار وفقا لإحصاء تكاليف الحرب الأمريكية في أفغانستان والعراق لمعهد واتسون بجامعة براون الأمريكية أدت إلى تراجع الدور الأمريكي في المنطقة لاحقا مع بداية ثورة الربيع العربي.
وهنا ظهر من جديد النهج التقليدي للقوى الصليبية في المنطقة بتبادل الأدوار فيما بينها لمواجهة النهوض الجديد للأمة وشعوبها، وقسمت الجبهات بينها ليقوم كل منهم بدوره.
فأطلقت روسيا بمباركة كنيستها حملتها المقدسة في سوريا لمنع سقوط نظام الأسد وتحرير دمشق، ودعمت فرنسا الجنرال حفتر في ليبيا لإسقاط طرابلس، وأطلقت أمريكا حملتها العسكرية الجوية في سوريا ثم في العراق واليمن بتحالف عربي إيراني وظيفي ليدك الطيران الأمريكي والعربي المدن والقرى لتمهد للمليشيات الشيعية الطائفية احتلالها واستباحتها، لتعيد للذاكرة ذلك التحالف الصفوي الإيراني مع المحتل البرتغالي الذي دك واحتل مدن الخليج العربي والعراق وتحالف مع المماليك المصريين لمواجهة جيوش السلطان سليم ياووز العثماني الذي توجه لنصرة العرب والقضاء على هذا التحالف الشيطاني والذي قامت الخلافة العثمانية على أنقاضه لتقيم الحرية والعدل والأمن لشعوب العالم الإسلامي.
واليوم يعيد التاريخ نفسه وبنفس الأطراف مع قيام الثورة العربية وتقدم تركيا لنصرة شعوب العالم العربي الثائرة وحمايتها من خطر التحالف الثلاثي الشيطاني (الغربي الصليبي – الصفوي الإيراني – العربي الوظيفي) الذي أضاف لأهدافه في المنطقة حصار تركيا وضربها من الداخل لوقف تقدمها في العالم العربي وإفشاله حتى لا يتكرر المشهد العثماني وتكون تركيا دولة مركزية تلتف حولها شعوب الأمة كما حذر منه اللورد كرزون وزير خارجية بريطانيا قبل قرن، فهذا هو أشد ما تخشاه القوى الصليبية التي ما شنت الحروب الصليبية منذ ألف سنة إلا لتسقط الخلافة كنظام ودولة ولتخضع الإسلام كأمة لسيطرتها وهيمنتها ولتنهي مقاومته كدين وحضارة ودولة.
فالقوى الصليبية مهما اختلفت سياساتها ومصالحها واشتد تنافسها إلا أنها مجمعة على منع تحرر الأمة ووحدتها وقيام خلافتها الجامعة لشعوبها تحت راية واحدة تحكم بالإسلام كدين ودولة، فهذا هو أصل الصراع الحضاري بين الإسلام والغرب، وهذا هو الخط الأحمر الذي رسمته القوى الدولية أمام الأمة وشعوبها!
﴿وَلَا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّىٰ يَرُدُّوكُمْ عَن دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا﴾
الخميس ١٦ ذو الحجة ١٤٤١هـ
٦ / ٨ / ٢٠٢٠م
اترك تعليقًا