الأزمة الأمريكية… والصناديق الخليجية!
سيف الهاجري
أمين عام حزب الأمة – الكويت
منذ إنشاء الصندوق السيادي الكويتي عام ١٩٥٣م في لندن كأول صندوق سيادي في الخليج العربي وباقي الصناديق السيادية الخليجية وجل استثمارتها ضخت في إقتصاديات أمريكا وأوربا والصين، وهذه السياسة الاستثمارية لم تأت من فراغ بل هي سياسة ملزمة لها لإبقاء عوائد الثروة النفطية لدول الخليج العربي كرافد أساسي للمنظومة الإقتصادية الدولية مقابل الحماية الدولية لدول الخليج.
واليوم وفي ظل ما تواجهه قوى النظام الدولي وخاصة القوى الغربية أمريكا وأوربا من تداعيات انتشار فيروس كورونا الذي كشف مدى انهيار الإقتصاد الدولي من الداخل، أصبحت ثروات النفط الخليجية وصناديقها السيادية في نظر القوى الاستعمارية بمثابة طوق نجاة من تداعيات الأزمة الإقتصادية التي تواجهها.
فالصناديق السيادية وصناديق الاحتياطيات العامة التي أنشئت في الأصل لتكون ثروة احتياطية تواجه بها شعوب الخليج أي أزمة إقتصادية لم تعد اليوم تقوم بدورها الذي أعلنت عنه الحكومات الخليجية.
وهذا نتيجة طبيعية لغياب السيادة والرقابة الشعبية على السلطة والثروة، وانكشفت الدول الخليجية أمام شعوبها في ظل الأزمات السياسية والإقتصادية والأمنية في ظل الاعتماد الكلي على القوى الغربية خاصة منذ أن أعلن الرئيس الأمريكي كارتر ١٩٨٠م، بما يعرف بمبدأ كارتر، وضع دول الخليج العربي تحت الحماية الأمريكية المباشرة وارتباطها بالمصالح الحيوية الأمريكية.
ومنذ إعلان مبدأ كارتر أصبحت السياسات الإقتصادية الداخلية والاستثمارات الخارجية لدول الخليج العربي مرتبطة ارتباطا عضويا بالمصالح الحيوية لأمريكا، وجاءت الاجراءات التي اتخذتها دول الخليج لمواجهة فيروس كورونا في ظل هذه الاستراتيجية.
فالهدف الأساسي لبرامج دول الخليج العربي واجراءاتها بخصوص فيروس كورونا هو تسخير الإقتصاديات الخليجية لإنقاذ الإقتصاد الأمريكي الذي يحتاج ٢ تريليون دولار خلال الأشهر القادمة لتتجاوز أمريكا الأزمة الإقتصادية بحسب إعلان ترامب خطته الإقتصادية والتي اعتمدها الكونغرس الأمريكي، وبدأت بعدها مباشرة كل ما نراه من وقف شبه تام للوزارات والمؤسسات في دول الخليج العربي للتوفير في الإنفاق العام وتوفير السيولة النقدية الممكنة لضخها في الإقتصاد الأمريكي وإنعاشه من جديد.
إن الدور الإقتصادي للصناديق الخليجية من إنشائها لا يختلف عن دور أية مؤسسة إقتصادية غربية ضمن النظام الإقتصادي الغربي الليبرالي.
فالصندوق السيادي الكويتي مثلا كونه أول صندوق خليجي يعتبر نموذجا لكل الصناديق الخليجية.
ففي عام ١٩٥٣م أُنشأ في لندن مكتب الاستثمار الكويتي لإدارة العائدات النفطية للكويت والتي كانت نسبتها آنذاك ٣ ٪ حسب الاتفاقيات النفطية بين الشركات النفطية البريطانية والأمريكية وحاكم الكويت برعاية الوكيل السياسي البريطاني واعتماده قبل الاستقلال.
وبدأ يدير مجلس إدارة مكتب الاستثمار الكويتي لوردات بريطانيون- وما زالوا- وربطوا استراتيجته الإقتصادية واستثمارته بالسياسة الإقتصادية البريطانية التي كان هدفها هو انعاش الإقتصاد البريطاني في ظل تراجعها الاستعماري في العالم.
وفي عام ١٩٥٧ أعلنت أمريكا مبدأ أيزنهاور بحماية منطقة الخليج العربي ليعلن بذلك رسميا بداية الدخول الأمريكي مكان بريطانيا واستمرت سياسة الإحلال الاستعماري إلى بداية السبعينات حيث أتمت أمريكا الربط الإقتصادي بين النفط الخليجي والإقتصاد الأمريكي، فأعلن الرئيس الأمريكي نيكسون قراره بفك ارتباط الدولار الأمريكي بالذهب بما يعرف (صدمة نيكسون) ليصبح الذهب الأسود الخليجي واستثمار عائداته في الإقتصاد الأمريكي هو الغطاء الحقيقي للدولار الأمريكي تحت مبدأ النفط مقابل الحماية.
ومع إعلان الرئيس الأمريكي بوش في بداية التسعينات قيام النظام الدولي الجديد فيما عرف بالعولمة بدأت الصناديق الخليجية وفقا للسياسة الأمريكية تعيد توزيع جزءا من استثمارتها الخارجية ما يقارب ٤٥ ٪ منها وتوجهها نحو أوربا لدعم دورها في العولمة، ونحو الصين لدمجها في النظام الغربي الإقتصادي الليبرالي.
لقد أصبحت الصناديق الخليجية أداة إقتصادية وظيفية تخدم النظام الدولي ولا عزاء للشعوب التي تواجه أزمة صحية مصطنعة لإشغالها عن هذه الحقائق التاريخية لثروة منهوبة وصناديق مخطوفة.
الأربعاء ١٥ شعبان ١٤٤١هـ
الموافق ٨ / ٤ / ٢٠٢٠م
اترك تعليقًا